التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

وقوله - تعالى - : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } تذييل مؤكد لما قبله . والدين : يطلق بمعنى العقيدة التى يعتقدها الإِنسان يدين بها ، وبمعنى الملة التى تجرى أقواله وأفعاله على مقتضاها ، وبمعنى الحساب والجزاء . ومنه قولهم : دنت فلانا بما صنع ، أي : جازيته على صنيعه .

واللفظ هنا شامل لكل ذلك ، أي : لكم - أيها الكافرون - دينكم وعقيدتكم التى تعتقدونها ، ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين ، فضلا عن رسولهم ومرشدهم صلى الله عليه وسلم ، ولي دينى وعقيدتى التى هى عقيدة التوحيد ، والتى بايعنى عليها أتباعي المؤمنون ، وهي مقصورة علينا ، وأنتم محرومون منها ، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لي .

وقدم - سبحانه - المسند على المسند إليه ، لإِفادة القصد والاختصاص ، فكأنه قيل : لكم دينكم لا لغيركم ، ولى دينى لا لغيرى ، والله - تعالى - هو أحكم الحاكمين بينى وبينكم .

وبذلك نرى السورة الكريمة قد قطعت كل أمل توهم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبى صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاستجابة لشيء من مطالبهم الفاسدة ، وإنما هو صلى الله عليه وسلم بريء براءة تامة منهم ومن معبوداتهم وعباداتهم .

وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

وقوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } يقول تعالى ذكره : لكم دينكم فلا تتركونه أبدا ؛ لأنه قد خُتِمَ عليكم ، وقُضِي أن لا تنفكوا عنه ، وأنكم تموتون عليه ، ولي دينِ الذي أنا عليه ، لا أتركه أبدا ، لأنه قد مَضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } قال : للمشركين . قال : واليهود لا يعبدون إلا الله ، ولا يشركون ، إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء ، وبما جاءوا به من عند الله ، ويكفرون برسول الله ، وبما جاء به من عند الله ، وقتلوا طوائف الأنبياء ظلما وعُدْوانا ، قال : إلا العصابة التي بَقُوا ، حتى خرج بختنصر ، فقالوا : عُزَيرٌ ابن الله ، دعا الله ولم يعبدوه ، ولم يفعلوا كما فعلت النصارى ، قالوا : المسيح ابن الله وعبدوه .

وكان بعض أهل العربية يقول : كرّر قوله : { لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ } وما بعده على وجه التوكيد ، كما قال : { فإنّ مَعَ العُسْرِ يُسْرا إنّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا } ، وكقوله : { لَتَروُنّ الجَحِيمَ ثُمّ لَترُوَنّها عَينَ الْيَقِينِ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

{ لكم دينكم } الذي أنتم عليه لا تتركونه ، { ولي دين } ديني الذي أنا عليه لا أرفضه ، فليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ، ليكون منسوخا بآية القتال ، اللهم إلا إذا فسر بالمتاركة ، وتقرير كل من الفريقين الآخر على دينه ، وقد فسر الدين بالحساب ، الجزاء ، الدعاء ، العبادة .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ( سورة الكافرون ) فكأنما قرأ ربع القرآن ، وتباعدت عنه مردة الشياطين ، وبرئ من الشرك " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

تذييل وفذلكة للكلام السابق بما فيه من التأكيدات ، وقد أُرسل هذا الكلام إرسالَ المثل وهو أجمع وأوجز من قول قيس بن الخطيم :

نَحْن بما عندنا وأنتَ بما *** عنْدك راض والرأي مختلف

ووقع في « تفسير الفخر » هنا : « جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبَّر فيه ثم يعمل بموجبه » ا ه .

وهذا كلام غير محرر لأن التمثل به لا ينافي العمل بموجبه وما التمثل به إلا من تمام بلاغته واستعداد للعمل به . وهذا المقدار من التفسير تركه الفخر في المسودة .

وقدم في كلتا الجملتين المسندُ على المسند إليه ليفيد قصر المسند إليه على المسند ، أي دينكم مقصور على الكون بأنه لكم لا يتجاوزكم إلى الكون لي ، وديني مقصور على الكون بأنه لا يتجاوزني إلى كونه لكم ، أي لأنهم محقق عدم إسلامهم . فالقصر قصر إفراد ، واللام في الموضعين لشِبه الملك وهو الاختصاص أو الاستحقاق .

والدين : العقيدة والملة ، وهو معلومات وعقائد يعتقدها المرء فتجري أعماله على مقتضاها ، فلذلك سمي دِيناً لأن أصل معنى الدين المعاملة والجزاء .

وقرأ الجمهور { دين } بدون ياء بعد النون على أن ياء المتكلم محذوفة للتخفيف مع بَقاء الكسرة على النون . وقرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف . وقد كتبت هذه الكلمة في المصحف بدون ياء اعتماداً على حفظ الحفاظ لأن الذي يُثبت الياء مثل يعقوب يُشبع الكسرة إذ ليست الياء إلا مَدّة للكسرة فعدم رسمها في الخط لا يقتضي إسقاطها في اللفظ .

وقرأ نافع والبزي عن ابن كثير وهشام عن ابن عامر وحفص عن عاصم بفتح الياء من قوله : { ولي } . وقرأه قنبل عن ابن كثير وابنُ ذكوان عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بسكون الياء .