التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة أهل الصدق والإِيمان فقال : { والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أولئك هُمُ المتقون } .

والمراد بالذى جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بالذى صدق به : ما يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به واتبعه فيما جاء به ، كأبى بكر الصديق وغيره من الصحابة .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس . . . والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية ، دخول الجند فى قولك : نزل الأمير موضع كذا . .

والجمع فى قوله - تعالى - : { أولئك هُمُ المتقون } باعتبار دخول الأتباع تباعا : ومراتب التقوى متفاوتة ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِي جَآءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ * لَهُم مّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ } .

اختلف أهل التأويل في الذي جاء بالصدق وصدّق به ، وما ذلك ، فقال بعضهم : الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : والصدق الذي جاء به : لا إله إلا الله ، والذي صدّق به أيضا ، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ يقول : من جاء بلا إله إلا الله وَصَدّقَ بِهِ يعني : رسوله .

وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به : أبو بكر رضي الله عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثني أحمد بن منصور ، قال : حدثنا أحمد بن مصعد المروزي ، قال : حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أسيد بن صفوان ، عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به ، قال : أبو بكر رضي الله عنه .

وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصدق : القرآن ، والمصدقون به : المؤمنون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن ، وصدّق به المؤمنون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به المسلمون .

وقال آخرون : الذي جاء بالصدق جبريل ، والصدق : القرآن الذي جاء به من عند الله ، وصدّق به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وصَدّقَ بِهِ محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : المؤمنون ، والصدق : القرآن ، وهم المصدّقون به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ قال : الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة ، فيقولون : هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه .

قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقِ بِهِ قال : هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون : هذا الذي أعطيتمونا ، فاتبعنا ما فيه .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره عنى بقوله : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ كلّ من دعا إلى توحيد الله ، وتصديق رسله ، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به ، وأن يقال : الصدق هو القرآن ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، والمصدّق به : المؤمنون بالقرآن ، من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن قوله تعالى ذكره : وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ عُقيب قوله : فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذَبَ على اللّهِ ، وَكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ وذلك ذمّ من الله للمفترين عليه ، المكذّبين بتنزيله ووحيه ، الجاحدين وحدانيته ، فالواجب أن يكون عقيب ذلك مدح من كان بخلاف صفة هؤلاء المذمومين ، وهم الذين دعوهم إلى توحيد الله ، ووصفه بالصفة التي هو بها ، وتصديقهم بتنزيل الله ووحيه ، والذي كانوا يوم نزلت هذه الاَية ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم ، القائمون في كل عصر وزمان بالدعاء إلى توحيد الله ، وحكم كتابه ، لأن الله تعالى ذكره لم يخصّ وصفه بهذه الصفة التي في هذه الاَية على أشخاص بأعيانهم ، ولا على أهل زمان دون غيرهم ، وإنما وصفهم بصفة ، ثم مدحهم بها ، وهي المجيء بالصدق والتصديق به ، فكل من كان كذلك وصفه فهو داخل في جملة هذه الاَية إذا كان من بني آدم .

ومن الدليل على صحة ما قلنا أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود : «والّذِينَ جاءُوا بالصدْقِ وصدّقُوا بِهِ » فقد بين ذلك من قراءته أن الذي من قوله وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ لم يعن بها واحد بعينه ، وأنه مراد بها جِمَاعٌ ذلك صفتهم ، ولكنها أخرجت بلفظ الواحد ، إذ لم تكن مؤقتة . وقد زعم بعض أهل العربية من البصريين ، أن «الذي » في هذا الموضع جُعل في معنى جماعة بمنزلة «مَن » . ومما يؤيد ما قلنا أيضا قوله : أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ فجُعل الخبر عن «الذي » جماعا ، لأنها في معنى جماع . وأما الذين قالوا : عني بقوله : وَصَدّقَ بِهِ : غير الذي جاء بالصدق ، فقول بعيد من المفهوم ، لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان التنزيل : والذي جاء بالصدق ، والذي صدق به أولئك هم المتقون فكانت تكون «الذي » مكرّرة مع التصديق ، ليكون المصدق غير المصدق فأما إذا لم يكرّر ، فإن المفهوم من الكلام ، أن التصديق من صفة الذي جاء بالصدق ، لا وجه للكلام غير ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، وكانت «الذي » في معنى الجماع بما قد بيّنا ، كان الصواب من القول في تأويله ما بَيّنا .

وقوله : أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول جلّ ثناؤه : هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم الذين اتقوا الله بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد ، وأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، فخافوا عقابه ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول : اتقوا الشرك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

{ والذي جاء بالصدق وصدق به } اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين لقوله : { أولئك هم المتقون } وقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو ومن تبعه كما في قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون } وقيل الجائي هو الرسول والمصدق أبو بكر رضي الله عنه ، وذلك يقتضي إضمار الذي هو غير جائز . وقرئ " وصدق به " بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل من غير تحريف ، أو صار صادقا بسببه لأنه معجز يدل على صدقه " وصدق به " على البناء للمفعول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ} (33)

قوله تعالى : { والذي جاء بالصدق } معادل لقوله : { فمن أظلم ممن كذب } [ الزمر : 32 ] { فمن } [ الزمر : 32 ] هنالك للجميع والعموم ، فكذلك هاهنا هي للجنس أيضاً ، كأنه قال : والفريق الذي جاء بعضه بالصدق وصدق بعضه ، ويستقيم المعنى واللفظ على هذا الترتيب . وفي قراءة ابن مسعود : والذي جاؤوا بالصدق وصدقوا به . و «الصدق » هنا : القرآن وأنباؤه والشرع بجملته . وقالت فرقة : { الذي } يراد به الذين ، وحذفت النون لطول الكلام ، وهذا غير جيد ، وتركيب جاء عليه يرد ذلك ، وليس هذا كقول الفرزدق :

إن عميَّ اللذا *** قتلا الملوك . . . {[9894]}

ونظير الآية قول الشاعر [ أشهب بن رملية ] : [ الطويل ]

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم . . . هُم القوم كل القوم يا أم خالد{[9895]}

وقال ابن عباس : { والذي جاء بالصدق } هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي صدق به ، وقالت فرقة من المفسرين : «الذي جاء » هو جبريل ، والذي صدق به هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقال علي بن أبي طالب وأبو العالية والكلبي وجماعة «الذي جاء » هو محمد عليه السلام ، والذي صدق هو أبو بكر . وقال أبو الأسود وجماعة منهم مجاهد : الذي صدق هو علي بن أبي طالب وقال قتادة وابن زيد : «الذي جاء » هو محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به هم المؤمنون . قال مجاهد هم أهل القرآن . وقالت فرقة : بالعموم الذي ذكرناه أولاً ، وهو أصوب الأقوال .

وقرأ أبو صالح{[9896]} ومحمد بن جحادة{[9897]} وعكرمة بن سليمان : «وصدَق به » بتخفيف الدال ، بمعنى استحق به اسم الصدق ، فعلى هذه القراءة يكون إسناد الأفعال كلها إلى محمد عليه السلام ، وكأن أمته في ضمن القول ، وهو الذي يحسن { أولئك هم المتقون } قال ابن عباس : اتقوا الشرك .


[9894]:هذا البيت من شواهد النحويين على حذف النون من (اللذان) تخفيفا، والمشهور بين كثيرين أنه للفرزدق، قال ذلك في شرح الشواهد للعيني، ونقل عن التوضيح وشرحه أن بني الحارث وبعض ربيعة يحذفون نون(اللذان واللتان) في حالة الرفع تقصيرا للموصول لطوله بالصلة، لكونهما كالشيء الواحد، والبيت في الحقيقة للأخطل، وهو في الديوان وفي الخزانة، وفي ابن الشجري، وفي الكتاب لسيبويهن وهو بتمامه: أبني كُليب إن عمي اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا وقد قاله يهجو جريرا، وهو من كليب بن يربوع. والهمزة في (أبني) للنداء، وعماه هما: عمرو ومرة ابنا كلثوم، والرواية في الأصل(سلبا الملوك)، وفي بقية المراجع (قتلا الملوك)، أما عمرو بن كلثوم فقد قتل عمرو بن هند، وأما مرة أخوه فقد قتل المنذر ابن النعمان بن المنذر، ويروى(وحطّما) بدلا من(وفككا)، والأغلال: جمع غل، وهو طوق من حديد يجعل في عنق الأسير، يمدحهم بفك الأسرى.
[9895]:هذا بيت قاله أشهب بن رميلة،-وقيل: هو لحريث بن محفض- وهو في مجاز القرآن، واللسان، والتاج، والصحاح، وسيبويه، والخزانة، وشواهد المغني، وابن الشجري، ومغني اللبيب. وفلج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وحانت دماؤهم: لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص، وهم القوم كل القوم: هم القوم الكاملون في قوميتهم، وهو شاهد على حذف النون من (الذين) تخفيفا بسبب طول الصلة، وقيل: إن(الذي) هنا مفرد عبر به عن الجمع، وعاد الضمير إليه محمولا على المعنى، وهذا هو ما قصده ابن عطية حين قال: ونظير الآية قول الشاعر: وإن الذي...البيت، وقد روي البيت (وإن الأولى)، وعلى هذا فلا شاهد فيه لا لمن يقول بأن أصله(الذين) والنون محذوفة، ولا لمن يقول: إنه مفرد عبر به عن الجميع.
[9896]:المراد: أبو صالح الكندي الكوفي، واسمه ميسرة، حدده القرطبي في تفسيره، وقال عنه العسقلاني في تقريب التهذيب: ثقة من الثالثة.
[9897]:هو محمد بن جحاده، بضم الجيم وتخفيف الدال المهملة، قال عنه العسقلاني في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين.