التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ، بتحريض اشد وأقوى على الإنفاق فى وجوه الخير ، فقال - تعالى - : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } .

قال القرطبى : القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، وأقرض فلان فلانا ، أى : أعطاه ما يتجازاه واستقرضت من فلان أى : طلبت منه القرض فأقرضنى ، واقترضت منه أى : أخذت منه القرض . وأصل الكلمة : القطع . ومنه المقراض ، وأقرضته ، أى : قطعت له من مالى قطعة يجازى عليها .

ثم قال : والتعبير بالقرض فى هذه الآية ، إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله هو الغنى الحميد ، لكنه - تعالى - شبه عطاء المؤمن فى الدنيا بما يرجو به ثوابه فى الآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس والأموال فى أخذ الجنة بالبيع والشراء " .

والقرض الحسن : هو الإنفاق من المال الحلال ، مع صدق النية ، دون رياء أو سمعة . أو منٍّ أو أذى مع تحرى أوسط الأموال .

والاستفهام : للحض على البذل والعطاء ، والتحريض على التحلى بمكارم الأخلاق .

و { مَّن } اسم استفهام مبتدأ ، و { ذَا } اسم إشارة خبره ، و { الذي } وصلته صفة لاسم الإشارة ، أو بدل منه .

والمعنى : من هذا المؤمن القوى الإيمان ، الذى يقدم ماله فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله ، وفى غير ذلك من وجوه الخير كمعاونة المختاجين ، وسد حاجة البائسين . . . { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أى : فيعطيه - سبحانه - أجره على إنفاقه أضعافا مضاعفة .

{ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ، أى : ولهذا المنفق - فضلا عن كل ذلك - أجر كريم عند خالقه ، لا يعلم مقداره إلا هو - تعالى - .

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، قد اشتملت على ألوان من الحض على الإنفاق فى وجوه الخير .

ومن ذلك التعبير بالاستفهام فى ذاته ، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة .

ومن ذلك - أيضا - التعبير بقوله : { مَّن ذَا الذي } . . إذ لا يستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر ، وكأن المخاطب لعظم شأنه ، من شأنه أن يشار إليه ، وأن يجمع له بين اسم الإشارة وبين الاسم الموصول .

ومن ذلك تسميته ما يبذله الباذل قرضا ، ولمن هذا القرض ؟ إنه لله الذى له خزائن السموات والأرض .

فكأنه - تعالى - يقول : أقرضونى مما أعطيتكم ، وسأضاعف لكم هذا القرض أضعافا مضاعفة ، يوم القيامة { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } ومن ذلك إخفاء مرات المضاعفة ، وضم الأجر الكريم إليها .

ومن ذلك التعبير عن الإنفاق بالقرض ، إذ القرض معناه : إخراج المال . وانتظار ما يقابله من بدل .

والخلاصة أن هذه الآية وما قبلها ، فيها ما فيها من الدعوة إلى الإنفاق فى وجوه الخير ، وإلى الجهاد فى سبيل الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا محتسبا في نفقته مبتغيا ما عند الله ، وذلك هو القرض الحسن ، يقول : فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه ، بإنفاقه في سبيله ، فيجعل له بالواحدة سبع مئة . وكان بعض نحويّي البصرة يقول في قوله : مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فهو كقول العرب : لي عندك قرض صدق ، وقرض سَوْء إذا فعل به خيرا وأنشد ذلك بيتا للشنفري :

سَنجْزِي سَلامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها *** بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ فأزَلّتِ

وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول : وله ثواب وجزاء كريم ، يعني بذلك الأجر : الجنة ، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له فيضاعفه له أي يعطى أجره أضعافا وله أجر كريم أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف فكيف وقد يضاعف أضعافا وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه له وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعا وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه منصوبا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

وقوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } الآية ، قال بعض النحويين : { من } ابتداء و : { ذا } خبر ، و { الذي } صفة ، وقال آخرون منهم : { من } ابتداء و : { ذا } زائد مع الذي ، و { الذي } خبر الابتداء ، وقال الحسن : نزلت هذه الآية في التطوع في جميع أمر الذين . والقرض : السلف ونحوه أن يعطي الإنسان شيئاً وينتظر جزاءه ، والتضعيف من الله هو في الحسنات ، يضاعف الله لمن يشاء من عشرة إلى سبعمائة ، وقد ورد أن التضعيف يربى على سبعمائة ، وقد مر ذكر ذلك في سورة البقرة بوجوهه من التأويل{[10964]} .

وقرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي : «فيضاعفُه » بالرفع على العطف أو على القطع والاستئناف . وقرأ عاصم : «فيضاعفَه » بالنصب في الفاء في جواب الاستفهام ، وفي ذلك قلق . قال أبو علي : لأن السؤال لم يقع عن القرض ، وإنما يقع السؤال عن فاعل القرض ، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه ، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى ، كأن قوله : { من ذا الذي يقرض } بمنزلة أن لو قال : أيقرض الله أحداً فيضاعفه ؟ وقرأ ابن كثير «فيضعّفُه » مشددة العين مضمومة الفاء . وقرأ ذلك ابن عامر ، إلا أنه فتح الفاء .

والأجر الكريم الذي يقرض به رضى وإقبال ، وهذا معنى الدعاء : يا كريم العفو ، أي أن مع عفوه رضى وتنعيماً وعفو البشر ليس كذلك .


[10964]:راجع الجزء الثاني صفحة(427).