التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا} (61)

وقوله - سبحانه - : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ . . . } تذكير لبنى آدم بما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، ليعتبروا ويتعظوا ، ويستمروا على عداوتهم لإِبليس وجنده .

أى : واذكروا - يا بنى آدم - وقت أن قلنا للملائكة { اسجدوا لآدم } سجود تحية وتكريم ، فسجدوا امتثالاً لأمر الله - تعالى - ، بدون تردد أو تلعثم ، { إلا إبليس } فإنه أبى السجود لآدم - عليه السلام - { وقال } بتكبر وعصيان لأمر ربه - عز وجل - : { أأسجد } وأنا المخلوق من نار { لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أى : أأسجد لمن خلقته من طين ، مع أننى أفضل منه .

والتعبير بقوله { فسجدوا } بفاء التعقيب ، يفيد أن سجودهم - عليهم السلام - كان فى أعقاب أمر الله - تعالى - لهم مباشرة ، بدون تأخير أو تسويف .

وقوله - تعالى - : { قال أأسجد . . . } استئناف بيانى ، فكأنه قيل : فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر ؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال .

والاستفهام فى { أأسجد } للإِنكار والتعجب ، لأن يرى - لعنه الله - أنه أفضل من آدم .

وقوله : { طينا } منصوب بنزع الخافض أى : من طين .

وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم ، بأساليب متنوعة ، وفى آيات متعددة ، منها قوله - تعالى - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين } وقوله - تعالى - : { فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هََذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلَيّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إَلاّ قَلِيلاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد تمادي هؤلاء المشركين في غيهم وارتدادهم عتوّا على ربهم بتخويفه إياهم تحقيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم ، حين أمره ربه بالسجود له فعصاه وأبى السجود له ، حسدا واستكبارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِيلاً وكيف صدّقوا ظنه فيهم ، وخالفوا أمر ربهم وطاعته ، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم .

ويعني بقوله وَإذْ قُلْنا للْمَلائِكَةِ : واذكر إذ قلنا للملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا يقول : لمن خلقته من طين فلما حذفت «مِن » تعلّق به قوله خَلَقْتَ فنصب ، يفتخر عليه الجاهل بأنه خُلِق من نار ، وخلق آدم من طين . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعث ربّ العزّة تبارك وتعالى إبليس ، فأخذ من أديم الأرض ، من عذبها وملحها ، فخلق منه آدم ، فكل شيء خُلق من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكلّ شيء خَلقه من مِلحها فهو صائر إلى الشقاوة وإن كان ابن نبيين ومن ثم قال إبليس أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا : أي هذه الطينة أنا جئت بها ، ومن ثم سُمّي آدم . لأنه خُلق من أديم الأرض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ قَالَ ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا} (61)

{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا } لمن خلقته من طين ، فنصب بنزع الخافض ، ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين ، أو منه أي أأسجد له وأصله طين . وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار .