التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

ثم بين - سبحانه - موقف أهل العلم النافع مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ، وموقف الكافرين من ذلك ، ورد - سبحانه - على هؤلاء الكافرين بما يثبت ضلالهم وجهلهم ، فقال - تعالى - : { وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم . . . لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } .

والمراد بالرؤية فى قوله - تعالى - : { وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم } المعرفة والعلم واليقين . والمراد بالذين أوتوا العلم : المؤمنون الصادقون الذين اتبعوا النبى صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاءهم به من عند ربه ، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم ، كمؤمنى أهل الكتاب من اليهود والنصارى .

والجملة الكريمة مستأنفة لمدح هؤلاء العلماء العقلاء على إيمانهم بالحق ، أو معطوف على يجزى فى قوله - تعالى - قبل ذلك : { لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } والمراد ب { الذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } القرآن الكريم .

والمعنى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما يقوله الكافرون بشأنك ولما يفعلونه لإِبطال دعوتك ، فإن الذين أوتوا العلم وهم أتباعك الصادقون ، يعلمون ويعتقدون أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق الذى لا يحوم حوله باطل ، وهو الصدق الذى لا يشوبه كذب ، وهو الكتاب الذى يهدى من اتبعه وأطاع توجيهاته إلى دين الله - تعالى - ، العزيز ، الذى يقهر ولا يقهر { الحميد } أى المحمود فى جيمع شئونه .

والمفعول الأول ليرى قوله : { الذي أُنزِلَ } . . والمفعول الثانى " الحق " و " هو " ضمير فصل متوسط بين المفعولين و " يهدى " معطوف على المفعول الثانى من باب عطف الفعل على الاسم لتأويله به ، أى : يرونه حقا وهاديا .

وعبر - سبحانه - عن إيمان أهل العلم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَيَرَى } ، للإِشعار بأنهم قد آمنوا هذا الإِيمان الجازم عن إدراك ومشاهدة ويقين ، وأنهم قد صاروا لا يشكون فى كون هذا المُنَزَّل عليه من ربه ، هو الحق الهادى إلى الصراط المستقيم .

وفى وصفهم بقوله : { أُوتُواْ العلم } ثناء عظيم عليهم ، لأنهم انتفعوا بعلمهم وسخروه لخدمة الحق ، وللشهادة له بأنه حق ، ويهدى إلى السعادة الدينية والدنيوية والأخروية .

وهكذا العلماء العاملون بمقتضى علمهم النافع . يكونون أنصارا للحق والهدى فى كل زمان ومكان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } .

يقول تعالى ذكره : أثبت ذلك في كتاب مبين ، ليجزي الذين آمنوا ، والذين سعوا في آياتنا ما قد بين لهم ، وليرى الذين أوتوا العلم فيرى في موضع نصب عطفا به على قوله : يَجزي ، في قوله : لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُوا . وعنى بالذين أوتوا العلم : مسلمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ، ونظرائه الذين قد قرؤوا كتب الله التي أُنزلت قبل الفرقان ، فقال تعالى ذكره : وليرى هؤلاء الذين أوتوا العلم بكتاب الله الذي هو التوراة ، الكتاب الذي أُنزل إليك يا محمد من ربك هو الحقّ .

وقيل : عني بالذين أوتوا العلم : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رّبّكَ هُوَ الحَقّ قال : أصحاب محمد .

وقوله : وَيهْدِي إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ يقول : ويرشد من اتبعه ، وعمل بما فيه إلى سبيل الله العزيز في انتقامه من أعدائه ، الحميد عند خلقه ، فأياديه عندهم ، ونعمه لديهم . وإنما يعني أن الكتاب الذي أُنزل على محمد يهدي إلى الإسلام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

{ ويرى الذين أتوا العلم } ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة أو من مسلمي أهل الكتاب . { الذي أنزل إليك من ربك } القرآن . { هو الحق } ومن رفع { الحق } جعل هو مبتدأ و { الحق } خبره والجملة ثاني مفعولي { يرى } ، وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات . وقيل منصوب معطوف على { ليجزي } أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا { ويهدي إلى صراط العزيز الحميد } الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى .