ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين أن يثبتوا على إيمانهم فقال : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ } أى : يأيها المؤمنون اثتبوا على إيمانكم وداوما على تصديقكم بوحدانية الله - تعالى - وعلى تصديقكم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذى نزله الله - تعالى - عليه وهو القرآن ، وبالكتاب الذى أنزله الله - تعالى - على الرسول الذين أرسلهم من قبله .
والمراد بالكتاب الذى أنزله على الرسل من قبله جنس الكتب السماوية كالتوراة والإِنجيل والزبور .
ثم بين - سبحانه - سوء مصير من يكفر بشئ مما يجب الإِيمان به فقال - تعالى - : { وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } .
أى : ومن يكفر بالله بأن الله بأن يجحد وحدانيته وألوهيته ، ولا يخلص له العبادة ، ويكفر بملائكته بأن ينكر بأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ويكفر بكتبه التى أنزلها - سبحانه ، على أنبيائه ، وبرسوله الذين أرسلهم لهداية الخلق . وباليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، من يكفر بكل ذلك فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن السبيل القويم بعداً كبيراً ، لأنه بكفره بذلك يكون قد خالف الفطرة ، وانحرف عما يقتضيه العقل السليم ، وأوغل فى الشرور والآثام إيغالا شديدا ، يؤدى به إلى خزى الدنيا وعذاب الآخرة .
وبعد هذه الأوامر السديدة للمؤمنين . عادت السورة الكريمة إلى تحذيرهم من أعدائهم ومن المنافقين ، فكشفت لهم عن طبيعتهم ، ونهتهم عن القعود معهم ، وبينت لهم أنماطا من خداعهم ، وألوانا من أخلاقهم الذميمة ، وأخبرتهم عن سوء مصير أولئك المنافقين فى الغى والضلال .
واستمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى كل ذلك بأسلوبها الحكيم فتقول { إِنَّ الذين آمَنُواْ . . . . شَاكِراً عَلِيماً } .
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي نَزّلَ عَلَىَ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِيَ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } : بمن قَبل محمد من الأنبياء والرسل ، وصدّقوا بما جاءوهم به من عند الله . { آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ } يقول : صدّقوا بالله ، وبمحمد رسوله ، أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم . { والكِتابِ الّذِي نَزّلَ على رَسُولِهِ } يقول : وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه ، وذلك القرآن . { وَالكِتابِ الّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } يقول : وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزّله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل .
فإن قال قائل : وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه وقد سماهم مؤمنين ؟ قيل : إنه جلّ ثناؤه لم يسمهم مؤمنين ، وإنما وصفهم بأنهم آمنوا ، وذلك وصف لهم بخصوص من التصديق ، وذلك أنهم كانوا صنفين : أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها ، وهم مكذّبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما¹ وصنف أهل إنجيل وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب ، مكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان . فقال جلّ ثناؤه لهم : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } يعني : بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل ، { آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، { والكِتابِ الّذِين نَزّلَ على رَسُولِهِ } فإنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله تجدون صفته في كتبكم ، { وَبالكِتابِ الّذِين أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } الذي تزعمون أنكم به مؤمنون ، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذّبون ، لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به ، فآمنوا بكتابكم في اتباعكم محمدا ، وإلا فأنتم به كافرون . فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به ، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } .
وأما قوله : { وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } فإن معناه : ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فيجحد نبوّته ، فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر ، لأن جحود الشيء من ذلك بمعنى جحوده جميعه¹ وذلك لأنه لا يصحّ إيمان أحد من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به ، والكفر بشيء منه كفر بجميعه ، فلذلك قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } بعقب خطابه أهل الكتاب ، وأمره إياهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تهديدا منه لهم ، وهم مقرّون بوحدانية الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الاَخر سوى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الفرقان . وأما قوله : { فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا } فإنه يعني : فقد ذهب عن قصد السبيل ، وجار عن محجة الطريق إلى المهالك ذهابا وجورا بعيدا ، لأن كفر من كفر بذلك خروج منه عن دين الله الذي شرعه لعباده ، والخروج عن دين الله : الهلاك الذي فيه البوار ، والضلال عن الهدى هو الضلال .
{ يا أيها الذين آمنوا } خطاب للمسلمين ، أو للمنافقين ، أو لمؤمني أهل الكتاب إذ روي : أن ابن سلام وأصحابه قالوا يا رسول الله : إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه . فنزلت . { آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل } اثبتوا على الإيمان بذلك وداوموا عليه ، أو آمنوا به بقلوبكم كما آمنتم بألسنتكم ، أو آمنوا إيمانا تاما عاما يعم الكتب والرسل ، فإن الإيمان بالبعض كلا إيمان والكتاب الأول القرآن والثاني الجنس . وقرأ نافع والكوفيون : { الذي نزل } و{ الذي أنزل } بفتح النون والهمزة والزاي ، والباقون بضم النون والهمزة وكسر الزاي . { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } أي ومن يكفر بشيء من ذلك . { فقد ضل ضلالا بعيدا } عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.