التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (101)

ولما كان التأمل في ملكوت السموات والأرض ، يعين على التفكير السليم ، وعلى استعمال العقل فيما يهدى إلى الحق والخير ، أمر الله - تعالى - الناس بالنظر والاعتبار فقال - سبحانه - : { قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض . . }

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لقومك : انظروا وتأملوا وتفكروا فيما اشتملت عليه السموات من شموس وأقمار ، وكواكب ونجوم ، وسحاب وأمطار . .

وفيما اشتملت عليه الأرض من زروع وأنهار ، ومن جبال وأشجار ، ومن حيوانات ودواب متنوعة .

انظروا إلى كل ذلك وتفكروا ، فإن هذا التفكر يهدى أصحاب العقول السليمة إلى أن هذا الكون إلها واحدا عليما قديرا ، هو وحده المستحق للعبادة والطاعة .

وقوله : { وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } توبيخ للغافلين عن النظر السليم الذي يؤدى إلى الهداية .

و { ما } نافية ، والمراد بالآيات : ما أشار إليه - سبحانه - قبل ذلك بقوله : { مَاذَا فِي السماوات والأرض } والنذر : جمع نذير ، وهو من يخبر غيره بأمر مخوف حتى يحذره .

والمعنى : انظرو وتفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من آيات بينات دالة على وحدانية الخالق وقدرته .

ومع ذلك فإن الآيات مهما اتضحت ، والنذر مهما تعددت ، لا تجدى شيئا ، بالنسبة لمن تركوا الإِيمان ، وأصروا على الجحود والعناد .

ويجوز أن تكون { ما } للاستفهام الإِنكارى ، فيكون المعنى وأى شيء تجدى الآيات السماوية والأرضية ، والنذر بحججها وبراهينها ، أمام قوم جاحدين معاندين ، قد استحبوا الكفر على الإِيمان ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الاَيَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك ، السائليك الاَيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان : انْظُرُوا أيها القوم ماذَا في السّمَوَاتِ من الاَيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله من شمسها وقمرها ، واختلاف ليلها ونهارها ، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها ، و في الأرْضِ من جبالها وتصدّعها بنباتها ، وأقوات أهلها ، وسائر صنوف عجائبها فإن في ذلك لكم إن عقلتم وتدبرتم موعظة ومعتبرا ، ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك ولا له على تدبيره وحفظه ظهير يغنيكم عما سواه من الاَيات . يقول الله جلّ ثناؤه : وَما تُغْنِي الاَياتُ والنّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ يقول جلّ ثناؤه : وما تغنى الحجج والعبر والرسل المنذرة عباد الله عقابه عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء وقضى لهم في أمّ الكتاب أنهم من أهل النار لا يؤمنون بشيء من ذلك ولا يصدّقون به . وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمِ .