التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

ثم ختم - سبحانه - تلك التكاليف التى يغلب عليها طابع النهى عن الرذائل بقوله : { كُلُّ ذلك كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } .

واسم الإِشارة { ذلك } يعود إلى ما تقدم ذكره من التكاليف والأوامر والنواهى . التى لا يتطرق إليها النسخ ، والتى تبلغ خمسة وعشرين تكليفا ، تبدأ بقوله - تعالى - : { لاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ } ثم يأتى بعد ذلك النهى عن عقوق الوالدين ، والأمر بصلة الأرحام ، وبالعطف على المسكين وابن السبيل ، ثم النهى عن البخل ، والإِسراف ، وقتل الأولاد ، والاقتراب من الزنا ، وقتل النفس إلا بالحق ، والاعتداء على مال اليتيم . . الخ .

والضمير فى { سيئه } يعود إلى ما نهى الله عنه من أفعال ، كالشرك ، وعقوق الوالدين ، والزنا . أى : كل ذلك الذى بيناه لك فيما سبق ، كان الفعل السيئ منه ، عند ربك مكروها ، أى : مبغوضا عنده - سبحانه - وأما الفعل الحسن كالوفاء بالعهد ، وإعطاء ذى القربى حقه ، فهو محمود عند ربك - عز وجل - .

قال الآلوسى : ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر - كالشرك والزنا .

. . - للإِيذان بأن مجرد الكراهة عنده - تعالى - كافية فى وجوب الكف عن ذلك .

وتوجيه الإِشارة إلى الكل ، ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء ، لما قيل : من أن البعض المذكور ليس بمذكور جملة ، بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته ، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضيا عنده - سبحانه - .

وإنما لم يصرح بذلك ، إيذانا بالغنى عنه ، أو اهتماما بشأن التنفير من النواهى . . .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : { كُلُّ ذلِكَ كَانَ سيئة } بالتاء والتنوين .

وعلى هذه القراءة يكون اسم الإِشارة ، يعود إلى المنهيات السابقة فقط ، ويكون المعنى : كل ذلك الذى نهيناك عنه فى الآيات السابقة ، من الإِشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واتباع ما ليس لك به علم . . كان اقترافه سيئة من السيئات المبغوضة عند ربك ، المحرمة فى شرعه ، المعاقب مرتكبها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

وقوله : كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها فإن القرّاء اختلفت فيه ، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها على الإضافة بمعنى : كلّ هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدإ قولنا وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إياهُ . . . إلى قولنا وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا كانَ سَيّئُهُ يقول : سيىء ما عددنا عليك عند ربك مكروها . وقال قارئو هذه القراءة : إنما قيل كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ بالإضافة ، لأن فيما عددنا من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ أمورا ، هي أمر بالجميل ، كقوله وَبالوَالدَيْنِ إحْسانا ، وقوله وآتِ ذَا القُرْبَى حَقّهُ وما أشبه ذلك ، قالوا : فليس كلّ ما فيه نهيا عن سيئة ، بل فيه نهى عن سيئة ، وأمر بحسنات ، فلذلك قرأنا سَيّئُهُ . وقرأ عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة : «كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئَةً » وقالوا : إنما عنى بذلك : كلّ ما عددنا من قولنا وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ ولم يدخل فيه ما قبل ذلك . قالوا : وكلّ ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه ، فالصواب قراءته بالتنوين . ومن قرأ هذه القراءة ، فإنه ينبغي أن يكون من نيته أن يكون المكروه مقدما على السيئة ، وأن يكون معنى الكلام عنده : كلّ ذلك كان مكروها سيئة لأنه إن جعل قوله : مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة ، لزمه أن تكون القراءة : كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة ، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين .

وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأ كُلّ ذلكَ كانَ سيّئُهُ على إضافة السيىء إلى الهاء ، بمعنى : كلّ ذلك الذي عددنا من وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ . . . كانَ سَيّئُهُ لأن في ذلك أمورا منهيا عنها ، وأمورا مأمورا بها ، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الموضع دون قوله وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ إنما هو عطف على ما تقدّم من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ فإذا كان ذلك كذلك ، فقرأته بإضافة السيىء إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيئةً بالتنوين ، بمعنى السيئة الواحدة .

فتأويل الكلام إذن : كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التي عددناها عليك كان سيئه مكروها عند ربك يا محمد ، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه ، فاتق مواقعته والعمل به .