التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (58)

ثم ذكر - سبحانه - بعض مظاهر استهزاء أولئك الضالين بالدين وشعائره ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً } .

والمراد بالنداء للصلاة : الإِعلام بها عن طريق الأذن .

قال القرطبي : كان إذا أذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود : قاموا لا قاموا ، وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا .

وقالوا في حق الأذان : لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم . فمن أين لك صياح مثل صياح العير ؟ فما أقبحه من صوت ، وما أسمحه من أمر .

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً } قال : كان رجل من النصارى بالمدينة ، إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمدا رسول الله . قال : حرف الكاذب . فدخل خادمه ليلا من الليالي بنار ، وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت . فاحترق هو وأهله .

وقيل : كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيرا للناس منها .

أي : وإذا ناديتم - أيها المؤمنون - بعضكم بعضا إلى الصلاة عن طريق الأذان ، اتخذ هؤلاء الضالون الصلاة والمناداة بها موضعا لسخريتهم وعبثهم وتهكمهم .

واسم الإِشارة في قوله : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } يعود إلى ما كان منهم من استهزاء وسخرية .

أي : ذلك الذي صدر عنهم من استهزاء وعبث سببه أنهم قوم سفهاء جهلاء ، لا يدركون الأمور على وجهها الصحيح ، ولا يستجيبون للحق الذي ظهر لهم بسبب عنادهم وأحقادهم .

قال ابن كثير : هذا تنفير من موالاة أعداء الإِسلام من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع الإِسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دينوي وأخروي ، يتخذونها هزوا يستهزئون بها ، ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد ، كما قال القائل .

وكم من عائب قولا صحيحا . . . وآفته من الفهم السقيم

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ} (58)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وإذا أذّن مؤذّنكم أيها المؤمنون بالصلاة ، سخر من دعوتكم إليها هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ، ولعبوا من ذلك ، ذَلِكَ بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ يعني تعالى ذكره بقوله : «ذلك » فعلهم الذي يفعلونه ، وهو هزؤهم ولعبهم من الدعاء إلى الصلاة ، إنما يفعلونه بجهلهم بربهم ، وأنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم إن أجابوا إلى الصلاة وما عليهم في استهزائهم ولعبهم بالدعوة إليها ، ولو عقلوا ما لمن فعل ذلك منهم عند الله من العقاب ما فعلوه . وقد ذكر عن السديّ في تأويله ما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإذَا نادَيْتُمْ إلى الصّلاةِ اتّخَذُوها هُزُوا ولَعِبا كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمدا رسول الله ، قال : حُرّق الكاذب فدخلت خادمه ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة ، فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله .