[ الضَّمير في " اتَّخَذُوها " يجُوزُ ]{[12123]} أن يعودُ على الصَّلاة وهو الظَّاهِر ، ويجُوز أن يَعُود على المَصْدَرِ المفهُوم من الفِعْل ، أي : اتَّخَذُوا المُنَاداة ، ذكره الزَّمَخْشَرِي ، وفيه بُعْدٌ ؛ إذ لا حاجة مع التَّصْريح بما يَصْلُح أن يَعُود عليه الضَّمِير ، بخلافِ قوله تعالى : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة : 8 ] .
قال الكلبي : كان مُنَادِي رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ، إذا نَادَى إلى الصَّلاة وقام المُسْلِمُون إليها ، قالت اليَهُود : قاموا لا قَامُوا ، وصلُّوا لا صلُّوا على طريق الاسْتهْزَاء وضَحِكوا ، فأنْزَل اللَّه هذه الآية الشَّرِيفة{[12124]} ، وقال السُّدِّي : نزلت في رَجُلٍ من النَّصَارى بالمدِينة ، كان إذا سَمِعَ المُؤذِّن يقول : أشْهَدُ أن محمَّداً رسُول الله - قال : حُرق الكَاذِبُ ، فدخل [ خادمه ] ذاتَ لَيْلَة بنارٍ وهو وأهْله نِيَام فتطايَرَتْ منها شَرارة ، فاحْتَرَق البَيْتُ وأهْلُه{[12125]} .
وقال آخَرُون{[12126]} : إن الكُفَّار لما سَمِعُوا الأذَان حَسَدُوا المُسْلِمين ، فَدَخلُوا على رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وقالُوا : يا محمَّد : لقد ابتدَعْتَ شَيْئاً لم يُسْمَع به فيما مَضَى من الأمَمِ ، فإن كنت تَدَّعي النُّبُوة فقد خَالَفْت فيما أحْدَثَت الأنبياء قَبْلَك ، ولو كان فيه خَيْراً لكان أولى النَّاس به الأنبياء ، فمن أين لك صياحٌ كصياحِ العير ، فما أقبح من صوت ، وما أسْمَج من أمْر ، فأنْزَل الله هذه الآية ، ونزل : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ } [ فصلت : 33 ] قالوا : دلَّت هذه الآيةُ على ثُبُوت الأذَان بِنَصِّ الكِتَاب لا بالْمَنام وحْدَه .
قال القُرْطُبِي{[12127]} : قال العُلَمُاء - رضي الله عنهم - ولم يكن الأذَانُ بمكَّة قَبْل الهِجْرة ، وإنما كانوا يُنَادُون " الصَّلاة جَامِعَة " ، فلما هَاجَر النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ، وصُرفت القِبْلَة إلى الكَعْبَة أمِرَ بالأذَان ، وبقي " الصَّلاة جَامِعَة " للأمر ، وكانَ النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قَدْ أهمَّه أمر الأذانِ حتى أُرِيَهُ عبد الله بن زَيْد ، وعُمر بن الخطاب وأبُو بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنهم - وقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - سمع الأذَان ليلة الإسْرَاء إلى السَّمَاء ، وأما رُؤيا عبد اللَّه بن زَيْد وعمر - رضي الله عنهما - فمشهورة ، وأمر النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بلالاً فأذَّن بالصَّلاة أذانَ اليَوْم ، وزَادَ بلالٌ في الصُّبْح " الصَّلاة خَيْرٌ من النَّوْمِ " ، فأقرَّها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ، وليست فيما رَآه الأنْصَاري ، ذكره ابن سعْد عن بن عمر - رضي الله عنهما - ، ثمَّ ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ ؛ أن الصِّدِّيق - رضي الله عنه - أري الأذان ، وأنَّه أخبر النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - ، وأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - أمر بِلالاً بالأذَانِ قَبْل أن يُخْبِرَه عَبد الله بن زَيْد ، ذكره الدَّارقُطْنِي في كتاب " المدبج " لَهُ في حَدِيث النَّبِي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - عن أبِي بَكْر الصِّدِّيق - رضي الله عنه{[12128]} .
قوله تعالى : " ذَلِكَ بأنَّهُم " مُبْتَدأ وخبر ، أي : ذَلِك الاسْتِهْزَاء مُسْتِقِرٌّ ؛ بسبب عدم عَقْلِهِم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.