التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ} (120)

ثم أمر الله عباده أن يتركوا ما ظهر من الآثام وما استتر فقال :

{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ } أى اتركوا جميع المعاصى ما كان منها سرا وما كان منها علانية ، أو ما كان منها بالجوارج وما كان منها بالقلوب ، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شىء .

ثم بين - سبحانه - عاقبة المرتكبين للآثام فقال : { إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } أى : إن الذين يعملون المعاصى ويرتكبون القبائح الظاهرة والباطنة لن ينجو من المحاسبة والمؤاخذة بل سيجزون بما يستحقونه من عقوبات بسبب اجتراحهم للسيئات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ} (120)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنّ الّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ودعوا أيها الناس علانية الإثم وذلك ظاهره ، وسرّه وذلك باطنه . كذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ ، أي : قليله وكثيره وسرّه وعلانيته .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ ، قال : سرّه وعلانيته .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ يقول : سره وعلانتيه ، وقوله : ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قال : سرّه وعلانيته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثمِ وَباطَنهُ ، قال : نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه أن يُعمل به سرّا ، أو علانية ، وذلك ظاهره وباطنه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ معصية الله في السرّ والعلانية .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ قال : هو ما ينوي مما هو عامل .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالظاهر من الإثم والباطن منه في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الظاهر منه : ما حرّم جلّ ثناؤه بقوله : وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ ، قوله : حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهاتُكُمْ . . . الاَية ، والباطن منه الزنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ قال : الظاهر منه : لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ والأمهات ، والبنات والأخوات . والباطن : الزنا .

وقال آخرون : الظاهر : أولات الرايات من الزواني . والباطن : ذوات الأخدان .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ } أما ظاهره : فالزواني في الحوانيت . وأما باطنه : فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرّا .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَلا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ }كان أهل الجاهلية يستسّرون بالزنا ، ويرون ذلك حلالاً ما كان سرّا ، فحرّم الله السرّ منه والعلانية . ما ظهر مها : يعني العلانية ، وما بطن : يعني السرّ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين وأبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : { لا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ }قال : ما ظهر منها : الجمع بين الأختين ، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده . وما بطن : الزنا .

وقال آخرون : الظاهر : التعرّي والتجرّد من الثياب وما يستر العورة في الطواف . والباطن : الزنا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ }قال : ظاهره العُريْةُ التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت . وباطنه : الزنا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره تقدّم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه وذلك سرّه وعلانيته ، والإثم : كلّ ما عصى الله به من محارمه ، وقد يدخل في ذلك سرّ الزنا وعلانيته ، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهنّ ، ونكاح حلائل الاَباء والأمهات والبنات ، والطواف بالبيت عريانا ، وكلّ معصية لله ظهرت أو بطنت . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان جميع ذلك إثما ، وكان الله عمّ بقوله : { وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ وَباطِنَهُ }جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن ، لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء إلا بحجة للعذر قاطعة . غير أنه لو جاز أن يوجه ذلك إلى الخصوص بغير برهان ، كان توجيهه إلى أنه عني بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع : ما حرّم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم ، وما بين الله تحريمه في قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيْتَةُ . . . إلى آخر الاَية ، أوْلى ، إذ كان ابتداء الاَيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى وهذه في سياقها ، ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك ، وأدخل فيها الأمر باجتناب كلّ ما جانسه من معاصي الله ، فخرج الأمر عامّا بالنهي عن كلّ ما ظهر أو بطن من الإثم .

القول في تأويل قوله تعالى : إنّ الّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثمَ سَيُجزّوْنَ بِمَا كانُوا يَقْتَرِفُونَ .

يقول تعالى ذكره : إن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه ويركبون معاصي الله ويأتون ما حرّم الله ، سَيُجْزَوْنَ يقول : سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه .