التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة التكوير

مقدمة وتمهيد

1- سورة " التكوير " ، وتسمى –أيضا- بسورة : " إذا الشمس كورت " ، وهي من السور المكية بلا خلاف ، وعدد آياتها : تسع وعشرون آية .

وتعتبر من أوائل السور القرآنية نزولا ، فهي السورة السادسة أو السابعة في ترتيب النزول ، فقد كان نزولها بعد سورة الفاتحة . وقبل سورة " الأعلى " .

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ العين ، فليقرأ " إذا الشمس كورت " . " وإذا السماء انفطرت " " وإذا السماء انشقت " .

2- والمتأمل في هذه السورة الكريمة ، يراها في نصفها الأول ، تسوق أمارات يوم القيامة وعلاماته ، بأسلوب مؤثر يبعث في القلوب الخوف والوجل .

ويراها في نصفها الثاني تؤكد أن هذا القرآن الكريم من عند الله –تعالى- ، وليس من كلام البشر ، وأن جبريل الأمين قد نزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم .

تكرر لفظ " إذا " فى هذه الآيات اثنى عشرة مرة ، وجواب الشرط قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } . وهذا التكرار بلفظ إذا من مقاصده التشويق للجواب ، لأن السامع عندما يجد هذا الظرف وقد تكرر يكون فى ترقب وشوق لمعرفة الجواب .

وعندما يسمعه يتمكن من نفسه كل التمكن .

ولفظ " الشمس مرفوع على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ، أى : إذا كورت الشمس كورت ، وأصل التكوير : لف الشئ على جهة الاستدارة ، تقول : كورت العمامة ، إذا لففتها .

قال صاحب الكشاف : فى التكوير وجهان : أحدهما : أن يكون من كورت العمامة إذا لففتها . أى : يلف ضوء الشمس لفا فيذهب انبساطه وانتشاره فى الآفاق ، وهو عبارة عن إزالتها والذهاب بها ، لأنها ما دامت باقية ، كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف .

وثانيهما : أن يكون لفها عبارة عن رفعها وسترها ، لأن الثواب إذا أريد رفعه ، لف وطوى ونحوه قوله - تعالى - : { يَوْمَ نَطْوِي السمآء } أى : إذا الشمس أزيل ضوؤها بعد انتشاره وانبساطه ، فأصبحت مظلمة بعد أن كانت مضيئة ، ومستترة بعد أن كانت بارزة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ * وَإِذَا النّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطّلَتْ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ فقال بعضهم : معنى ذلك : إذا الشمس ذهب ضوؤُها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن الحريث ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : ثني أبيّ بن كعب ، قال : ستّ آيات قبل يوم القيامة : بينا الناس في أسواقهم ، إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك ، إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك ، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحرّكت واضطربت واحترقت ، وفزَعت الجنّ إلى الإنس ، والإنس إلى الجنّ ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش ، وماجوا بعضهم في بعض وَإذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ قال : اختلطت وَإذَا الْعِشارُ عُطّلَتْ قال : أهملها أهلها وَإذَا الْبِحارُ سُجّرَتْ قال : قالت الجنّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر قال : فانطلقوا إلى البحار ، فإذا هي نار تأجّج قال : فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة ، إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا قال : فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ يقول : أظلمت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ يعني : ذهبت .

حدثني محمد بن عُمارة ، حدثني عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : اضمحلت وذهبت .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، في قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : ذهب ضوءُها فلا ضوء لها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : غُوّرت ، وهي بالفارسية ، كور تكور .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ أما تكوير الشمس : فذهابها .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : كوّرت كورا بالفارسية .

وقال آخرون : معنى ذلك : رُمي بها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : نُكّست .

حدثني محمد بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح مثله .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا بدل بن المحبر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت إسماعيل ، سمع أبا صالح في قوله إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : أُلقيت .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يَعْلَى ، عن ربيع بن خيثم إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ قال : رُمِي بها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خيثم ، مثله .

والصواب من القول في ذلك عندنا : أن يقال كُوّرَتْ كما قال الله جلّ ثناؤه والتكوير في كلام العرب : جمع بعض الشيء إلى بعض ، وذلك كتكوير العمامة ، وهو لفها على الرأس ، وكتكوير الكارة ، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض ، ولفها ، وكذلك قوله : إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ إنما معناه : جمع بعضها إلى بعض ، ثم لفت فرمي بها ، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءُها . فعلى التأويل الذي الذي تأوّلناه وبيّناه لكلا القولين اللذين ذكرت عن أهل التأويل ، وجه صحيح ، وذلك أنها إذا كُوّرت ورُمي بها ، ذهب ضوءُها .