التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

ثم بين - سبحانه - أن كل نعمة فى هذا الكون ، هو - سبحانه - مصدرها وموجدها ، فقال : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله . . } .

أي : وكل نعمة عندكم كعافية في أبدانكم ، ونماء في مالكم ، وكثرة في أولادكم ، وصلاح في بالكم . . فهي من الله - تعالى - وحده .

فالمراد بالنعمة هنا ، النعم الكثيرة التي أنعم بها - سبحانه - على الناس ؛ لأنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معينة ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع - اعتمادا على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية ، و " ما " موصولة مبتدأ ، متضمنة معنى الشرط . وقوله { فمن الله } خبرها .

وقوله { من نعمة } بيان لما اشتملت عليه " ما " من إبهام .

وقوله - سبحانه - { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } بيان لطبيعة الإِنسان ، ولموقفه من خالقه - عز وجل - والضر : يشمل المرض ، والبلاء ، والفقر ، وكل ما يتضرر منه الإِنسان .

وقوله { تجأرون } من الجؤار بمعنى - رفع الصوت بالاستغاثة وطلب العون ، يقال : جأر فلان يجأر جأرا وجؤارا ، إذا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث وأصله : صياح الوحش .