التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا} (57)

و { قُلْ } لهم على سبيل النصح والإرشاد ودفع التهمة عن نفسك { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أى : ما أسألكم على هذا التبليغ والتبشير والإنذار من أجر ، إن أجرى إلا على الله - تعالى - وحده .

وقوله - سبحانه - : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً } استثناء منقطع .

أى : لا أسألكم على تبليغى لرسالة ربى أجرا منكم ، لكن من شاء منكم أن يتخذ إلى مرضاة ربه سبيلا ، عن طريق الصدقة والإحسان إلى الغير ، فأنا لا أمنعه من ذلك .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ } أى : إلى رحمته ورضوانه { سَبِيلاً } أى طريقا . والاستثناء عند الجمهور منقطع ، أى : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه - سبحانه - سبيلا ، أى : بالإنفاق القائم مقام الأجر ، كالصدقة فى سبيل الله ، فليفعل .

وذهب البعض إلى أنه متصل . وفى الكلام مضاف مقدر ، أى : إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان والطاعة حسبما أدعو إليهما ، أى : فهذا أجرى .

وفى ذلك قلع كلى لشائبة الطمع ، وإظهار لغاية الشفقة عليهم ، حيث جعل ذلك - مع كون نفعه عائدا عليهم - عائدا إليه صلى الله عليه وسلم فى صورة الأجر .

وعلى كلا الرأيين فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يطلب أجرا من الناس على دعوته ، ولا يمنعهم من إنفاق جزء من أموالهم فى وجه الخير ، وأنه صلى الله عليه وسلم يعتبر إيمانهم بالحق الذى جاء به ، هو بمثابة الأجر له ، حيث إن الدال على الخير كفاعله .

ولقد حكى القرآن الكريم فى كثير من آياته ، أن جميع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ما سألوا الناس أجرا على دعوتهم إياهم إلى عبادة الله - تعالى - وطاعته . ومن هذه الآيات قوله - سبحانه - حكاية عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب - : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين }