نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا} (57)

ولما وقع جوابهم عن قولهم{ لولا أنزل إليه ملك }[ الفرقان : 7 ] وكان قد بقي قولهم{ أو يلقى إليه كنز }[ الفرقان : 8 ] أشير إلى مزيد الاهتمام بجوابه بإبرازه في صورة الجواب لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم إذا تظاهروا وطعنوا في الرسالة بما تقدم وغيره ؟ فقال : { قل } أي لهم يا أكرم الخلق حقيقة ، وأعدلهم طريقة محتجاً عليهم بإزالة ما يكون موضعاً للتهمة : { ما أسألكم عليه } أي على الإبلاغ بالبشارة والنذارة { من أجر } لتتهموني أني أدعوكم لأجله ، أو تقولوا : لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك ، فكأنه يقول : الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس ، وليس هذا من شيمي قبل النبوة فكيف بما بعدها ؟ فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم . ثم أكد هذا المعنى بقوله ، مستثنياً لأن الاستثناء معيار العموم : { إلا من } أي إلا أجر من { شاء أن يتخذ } أي يكلف نفسه ويخالف هواه ويجعل له { إلى ربه سبيلاً* } فإنه إذا اهتدى بهداية ربه كان لي مثل أجره ، لا نفع لي من جهتكم إلا هذا ، فإن سميتم هذا أجراً فهو مطلوبي ، ولا مرية في أنه لا ينقص أحداً شيئاً من دنياه ، فلا ضرر على أحد في طي الدنيا عني ، فأفاد هذا فائدتين : إحداهما أنه لا طمع له أصلاً في شيء ينقصهم ، والثانية إظهار الشفقة البالغة بأنه يعتد بمنفعتهم الموصلة لهم إلى ربهم ثواباً لنفسه .