السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا} (57)

ثم كأنه قيل : فماذا أقول لهم إذا طعنوا في الرسالة ؟ فقال تعالى : { قل } أي : لهم يا أكرم الخلق حقيقة وأعدلهم طريقة محتجاً عليهم بإزالة ما يكون موضعاً للتهمة { ما أسألكم عليه } أي : على تبليغ ما أرسلت به { من أجر } فتتهموني أني أدعوكم لأجله إذ لا غرض لي إلا نفعكم ، ثم أكد هذا المعنى بقوله تعالى مستثنياً ؛ لأن الاستثناء معيار العموم { إلا من } أي : إلا أجر من { شاء أن يتخذ } أي : يكلف نفسه ويخالف هواه ، ويجعل له { إلى ربه سبيلاً } فإنه إذا اهتدى بهداية ربه كان لي مثل أجره لا نفع لي من جهتكم إلا هذا فإن سميتم هذا أجراً فهو مطلوبي ، ولا مرية في أنه لا ينقص أحداً شيئاً من دنياه فأفاد فائدتين ؛ الأولى : أنه لا طمع له أصلاً في شيء ينقصهم ، والثانية : إظهار الشفقة البالغة حيث لم يقصد بمنفعتهم الموصلة لهم إلى ربهم ثواباً لنفسه ، وقيل : الاستثناء منقطع أي : لكن من يشاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليفعل ، وجرى على هذا الجلال المحلي ، وقال ابن عادل : في الأول نظر ؛ لأنه لم يسند السؤال المنفي في الظاهر إلى الله تعالى إنما أسنده إلى المخاطبين فكيف يصح هذا التقدير ؟ انتهى . وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر وسهّل ورش وقنبل الثانية ، ولهما أيضاً إبدالها ألفاً والباقون بتحقيق الهمزتين .