الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (57)

وقوله سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ العنكبوت : 57 ] .

تحقيرٌ لأمرِ الدنيا ومخاوفِها ، كأن بعضَ المؤمنين ، نظر في عاقبةٍ تلحقه في خروجه من وطنه أنه يموت أو يجوع ونحو هذا فحقَّر اللّه سبحانه شَأْنَ الدنيا ، أي وأنتم لا محالة ميتون ومُحْشَرُون إلينا ، فالبِدَارُ إلى طاعة اللّه والهجرة إليه أولى ما يُمْتَثَلُ ذكر هشام بن عبد اللّه القرطبيُّ في تاريخه المسمى ب«بهجة النفس » قال : بينما المنصور جالسٌ في منزله في أعلى قصره إذ جاءه سهم عائر فسقط بين يديه فذُعِرَ المنصورُ منه ذُعْراً شديداً ، ثم أخذه فجعل بقلِّبه ، فإذا مكتوبٌ عليه بين الرِّيشَتَيْنِ : [ الوافر ]

أَتَطْمَعُ فِي الْحَيَاةِ إلَى التَّنَادِي *** وَتَحْسَبُ أَنَّ مَا لَكَ مِنْ مَعَادِ

سَتُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِكَ وَالْخَطَايَا *** وََتُسْأَلُ بَعْدَ ذَاكَ عَنِ الْعِبَادِ

ومن الجانب الآخر : [ البسيط ]

أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إذْ حَسُنَتْ *** وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ

وَسَاعَدَتْكَ اللَّيَالِي فاغتررت بِهَا *** وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ

وفي الآخر : [ البسيط ]

هِيَ الْمَقَادِيرُ تَجْرِي فِي أَعِنَّتِهَا *** فاصبر فَلَيْسَ لَهَا صَبْرٌ على حَالِ

يَوْماً تُرِيكَ خَسِيسَ القَوْمِ تَرْفَعُه *** إلَى السَّمَاءِ وَيَوْماً تَخْفِضُ العَالِي

ثم قرأ على الجانب الآخر من السهم : [ البسيط ]

مَنْ يَصْحَبِ الدَّهْرَ لاَ يَأْمَنْ تَصَرُّفَهُ *** يَوْماً فَلِلدَّهْرِ إحْلاَءٌ وَإمْرَارُ

لِكُلِّ شَيْءٍ وَإنْ طَالَتْ سَلاَمَتُهُ *** إذَا انتهى مَدُّهُ لاَ بُدَّ إقْصَارُ

انتهى .