اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (57)

قوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } قرأه بالغيبة{[41652]} أبو بكر ، وكذا في الروم{[41653]} في قوله : { ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } وافقه أبو عمرو في الروم فقط والباقون بالخطاب{[41654]} فيها . وقرئ يَرْجعون{[41655]} مبيناً للفاعل .

فصل :

لما أمر الله تعالى المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان فخوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة أي كل أحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفاً من الموت فإن كل نفس ذائقة الموت فالأولى أن يكون ذلك في سبيل الله فيجازيكم عليه ، فإن إلى الله مرجعكم فيجزيكم{[41656]} بأعمالكم ، وفيه وجه دقيق آخر وهو أن قوله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت } أي إذا كانت ( معلقة ){[41657]} بغيرها فهو للموت ثم إلى الله ترجع فلا تموت كما قال تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت } [ الدخان : 56 ] وإذا كان كذلك فمن يريد أن لا يذوق الموت لا يبقى مع نفسه فإن النفس ذائقته بل يتعلق بغيره ، وذلك الغير إن كان غير الله فهو ذائق الموت لقوله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت } و { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } فإذن التعلق بالله{[41658]} ( يريح من الموت ){[41659]} فقال تعالى : «فإياي فاعبدون » أي تعلقوا بي ، ولا تتبعوا النفس ، فإنها ذائقة الموت { ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي إذا تعلقتم بي فموتكم رجوعٌ إلي وليس بموت لقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] ، وقال عليه ( الصلاة و ){[41660]} السلام : «المؤمِنونَ لا يَمُوتونَ بل يُنْقَلُون من دار إلى دار » .


[41652]:انظر الإتحاف 346، والسبعة 502، وإبراز المعاني 37.
[41653]:الروم: 11.
[41654]:المراجع السابقة.
[41655]:وهي قراءة عليّ كرم الله وجهه، انظر: مختصر ابن خالويه 115.
[41656]:في "ب" فيجازيكم.
[41657]:ساقط من "ب".
[41658]:انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 25/84.
[41659]:زيادة يقتضيها السياق من الفخر الرازي.
[41660]:ساقط من "ب".