الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

وقوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ } [ العنكبوت : 60 ] .

تحريضٌ على الهجرة لأَن بعضَ المؤمنين فكَّر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة ، وقالوا غربةٌ في بلد لاَ دَارَ لنا فيه ولا عقار ، ولا من يطعم ، فمثل لهم بأَكثر الدواب التي لا تتقوت ولا تدخر ، ثم قال تعالى : { الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } فقوله : { لاَّ تَحْمِلُ } يجوز أن يريدَ مِن الحَمْلِ ، أي : لا تَنْتَقِلُ ولا تنظر في ادخاره ، قاله مجاهد وغيره .

قال ( ع ) : والادِّخار ليسَ من خُلُق الموقنين ، وقد قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ عُمَرَ : ( كَيْفَ بِكَ إذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةِ منَ النَّاسِ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَةٍ بِضَعْف اليَقِينِ ) ويجوز أن يريدَ من الحمالة أي : لا تَتَكَفَّلُ لنفسها ، قال الداوديُّ : وعن علي بن الأقمر : { لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي : لا تدخر شيئاً لغدٍ ، انتهى .

وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً ) قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ . انتهى .