السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (57)

ولما أمر الله تعالى عباده بالحرص على العبادة وصدق الاهتمام بها حتى يتطلبوا لها أوفق البلاد وإن بعدت وشق عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان خوّفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة بقوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } أي : كل نفس مفارقة ما ألفته حتى بدناً طالما لبسته وأنسها وأنسته فإن أطاعت ربها أنجت نفسها ولم تنقصها الطاعة من الأجل شيئاً وإلا أوبقت نفسها ولم تزدها المعصية في الأجل شيئاً فإذا قدّر الإنسان أنه ميت سهلت عليه الهجرة فإنه إن لم يفارق بعض مألوفه بها فارق كل مألوفه بالموت ، وقد ورد «أكثروا من ذكر هادم اللذات أي : الموت فإنه ما ذكر في قليل أي : من العمل إلا كثره ولا ذكر في كثير أي : من أمل الدنيا إلا قلله » .

ولما هوّن أمر الهجرة حذر من رضي في دينه بنقص شيء من الأشياء حثاً على الاستعداد بغاية الجهد في التزّود للمعاد بقوله تعالى : { ثم إلينا ترجعون } على أيسر وجه فنجازي كلاً منكم بما عمل ، وقرأ أبو بكر بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية .