الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ} (96)

وقوله سبحانه : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ . . . } [ آل عمران :96 ] .

لا مِرْيَة أنَّ إبراهيم عليه السلام وضع بيْتَ مكة ، وإنما الخلافُ ، هَلْ هو وضع بَدْأَةً أوْ وضعَ تجديد ؟ وقال الفَخْر : يحتمل أولاً في الوضْعِ والبناءِ ، ويحتملُ أنْ يريد أولاً في كونه مباركاً ، وهذا تحصيلُ المفسِّرين في الآية ، اه .

قال ابن العربيِّ في «أحكامِهِ » وكونُ البَيْتِ الحَرَامِ مُبَارَكاً ، قيل : بركَتُهُ ثوابُ الأعمال هناك ، وقيل : ثوابُ قاصِدِيهِ ، وقيل : أمْنُ الوَحْش فيه ، وقيل : عُزُوفُ النفْسِ عن الدنيا عِنْدَ رؤيته ، قال ابنُ العربيِّ ، والصحيحُ عِنْدَي أنَّهُ مُبَارَكٌ مِنْ كلِّ وجْهٍ مِنْ وجوه الدنْيَا والآخرة ، وذلك بجميعه موجودٌ فيه اه .

قال مالكٌ في سماعِ ابن القاسِمِ من «العتبية » : بَكَّة موضعُ البَيْت ، ومَكَّة غيره مِنَ المواضعِ ، قال ابن القاسِمِ : يريد القَرْيَةَ ، قلتُ : قال ابنُ رُشْدٍ في «البيان » : أرى مالكاً أخَذَ ذلك مِنْ قول اللَّه عزَّ وَجَلَّ ، لأنه قال تعالى في بَكَّة : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } ، وهو إنما وضع بموضعه الَّذي وُضِعَ فيه ، لا فيما سواه من القرية ، وقال في «مَكَّة » ، { وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } [ الفتح : 24 ] وذلك إنما كان في القرية ، لا في موضع البَيْتَ . اه .