الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

وقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ . . . } [ آل عمران :92 ] . خطابٌ لجميعِ المؤمنين ، فتحتملُ الآية أنْ يريد لَنْ تنالوا بِرَّ اللَّه بكُمْ ، أي : رحمتَهُ ولُطْفَه ، ويحتملُ أنْ يريد لَنْ تنالوا درجَةَ الكمالِ مِنْ فعْلِ البِرِّ ، حتى تكونُوا أبراراً إلاَّ بالإنفاقِ المُنْضَافِ إلى سائر أعمالكم .

قال ( ص ) : قوله : { مِمَّا تُحِبُّونَ } ( مِنْ ) : للتبعيضِ ، تدلُّ عليه قراءةُ عبْد اللَّهِ : ( بَعْضِ مَا تُحِبُّونَ ) اه .

قال الغَزَّالِيُّ : قال نافعٌ : كانَ ابْنُ عُمَرَ مريضاً ، فاشتهى سَمَكَةً طَرِيَّةً ، فحملتْ إلَيْه على رغيفٍ ، فقام سائلٌ بالبابِ ، فأمر بدفعها إلَيْه ، ثم قَالَ : سمعْتُ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :

( أَيُّمَا امرئ اشتهى شَهْوَةً ، فَرَدَّ شَهْوَتَهُ ، وآثَرَ على نَفْسِهِ ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ) ، اه من «الإِحياء » .

قال ( ع ) : وبسبب نزول هذه الآيةِ تَصَدَّقَ أبو طَلْحَةَ بحائِطِه المسمى بَيْرَحاً ، وتصدَّق زيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بفَرَسٍ كان يحبُّها ، وكان عبد اللَّه بنُ عُمَرَ يشْتَهِي أكْلَ السُّكَّر باللّوز ، فكان يَشْتَرِي ذلك ، ويَتصدَّق به .

قال الفَخْر : والصحيحُ أنَّ هذه الآية في إيتاء المالِ على طريق النَّدْب ، لا أنها في الزكاة الواجِبَةِ ، اه .

وقوله سبحانه : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } شرطٌ ، وجوابٌ فيه وعْد ، أي : عليمٌ مُجَازٍ به ، وإن قَلَّ .