الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

وقولُه تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ } الآية ، هذا مَثَلٌ لقريشٍ بِقَوْمٍ أنْعَمَ اللّه عَليهمْ فَلَمْ يَشْكُروا ؛ فَانْتَقَمَ مِنْهُم ، أي : فأنتم أيُّها القَوْمُ مِثْلُهم ، و«سبأ » هُنا يراد بهِ القَبِيلُ ، واخْتُلِفَ : لِمَ سُمِّي القَبِيلُ بِذلك فَقَالَت فِرْقَةٌ : هُو اسْمُ امْرَأةٍ ، وقِيلَ : اسْمُ مَوْضِعٍ سُمِّيَ بِهِ القَبِيلُ ، وقَالَ الجُمْهُورُ : هُوَ اسْمُ رَجُلٍ ، هُو أَبُو القَبِيلُ ، كُلِّه ، وفِيهِ حَدِيثُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ المتقدّمُ في «سُورة النَّمْلِ » ؛ خَرَّجَهُ التِّرْمِذيُّ ، و{ آيَةٌ } : معناه : عِبْرَةٌ وَعَلاَمَةٌ عَلَى فَضْلِ اللّهِ وقُدْرَتِه ، و{ جَنَّتَانِ } : مبتدَأٌ وَخَبَرُه : { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } ، أو خَبَرَ مُبْتَدَأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيره : هي جنتان ، وقيل : { جَنَّتَانِ } بَدَلٌ مِن { آيَةٌ } وَضُعِّفَ ، ورُوِي فِي قُصَصِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي نَاحِيَةِ اليَمَنِ وَادٍ عَظِيمٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، وَكَانَتْ جَنَبَتَا الوادِي فَوَاكِهَ وزُرُوعاً ، وكان قد بُنِيَ فِي رَأْسِ الوادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجَبَلَينِ ؛ جِسْرٌ عَظِيمٌ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ الجَبَلِ إلَى الجَبَلِ ، فَاحْتَبَسَ الماءُ فِيهِ ، وصَارَ بُحَيْرَةً عَظِيمَةً ، وَأُخِذَ المَاءُ من جَنَبَتَيْهَا فَمَشَى مُرْتَفِعاً يَسْقِى جَنَّاتٍ كَثِيرَةٍ جَنَبتَي الوادِي ، قِيلَ : بَنَتْهُ بلقيس ، وَقِيلَ بَنَاهُ حِمْيَرُ أَبُو القَبَائِلِ اليَمَانِيَّةِ كُلِّهَا ، وكانُوا بهذهِ الحالِ فِي أرْغَدِ عَيْشِ ، وَكَانَتْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قُرٍى ظَاهِرَةٌ مُتَّصِلَة من اليَمَنِ إلَى الشَّامِ ، وَكَانُوا أَرْبَابَ تِلْكَ البِلاَدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ .

( ت ) : وَقَوْلُ ( ع ) : وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي رَأْسِ الوَادِي عِنْدَ أَوَّلِ الجبلين صوابُه وَكَانَ قَدْ بُنِيَ فِي أَسْفَلِ الوَادِي عِنْدَ آخِرِ الجَبَلَينِ ، و{ كُلُوا } : فيه حذفٌ مَعْنَاهُ : قيل لَهُم : كُلُوا ، و{ طَيِّبَةٌ } معناه : كريمةُ التُّربةِ حَسَنةُ الهَواءِ ، ورُوِيَ أَنَّ هذهِ المقَالة ؛ مِن الأَمْرِ بالأَكْلِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوْقِيفِ عَلى طِيبِ البَلْدَةِ وغُفْرَانِ الرَّبِّ مَعَ الإيمَانِ بِهِ ؛ هي من قول الأَنْبِياء لَهُمْ ، وبُعِثَ إليهم فِيمَا رُوِيَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ نَبِيّاً فَكَفَرُوا بِهِم .