الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ} (16)

وأَعْرَضُوا فَبَعَثَ اللّهُ عَلى ذَلِكَ السَّدِّ جُرْذاً أَعْمَى ؛ تَوالَدَ فِيه ؛ وَخَرَقَهُ شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ ؛ فَانْخَرَقَ السَّدُّ وَفَاضَ المَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَجَنَّاتِهم فَغَرَّقَها ؛ وَأَهْلَكَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الفِرَارُ ، واخْتُلِفَ فِي العرم . فَقَالَ المُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ وَأَبُو مَيْسَرَةَ : هُوَ كُلُّ مَا بُنِي أَوْ سُنِّمَ لِيُمْسِك المَاءَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيره .

{ العرم } : اسْمُ وَادِي ذَلِكَ المَاءِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ السَّدُّ بُنِي لَهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضاً { العرم } الشَّدِيدُ .

قَالَ ( ع ) : فَكَأَنَّهُ صِفَةٌ لِلسَّيْلِ مِنْ العَرَامَةِ ، وَالإضَافَةُ إلَى الصِّفَةِ مُبَالَغَةٌ ؛ وَهِي كثيرةٌ فِي كَلام العَرَبِ ، وقِيل : { العرم } صِفَةٌ للمَطَرِ الشديدِ الذي كانَ عَنْه ذَلِكَ السَّيْلُ .

وقوله تعالى : { وبدلناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } فيه تَجُوُّزٌ واستعارة ، وَذَلِكَ أَنَّ البَدَلُ مِنَ الخَمْطِ والأَثْلِ لَمْ يَكُنْ جَنَّاتٍ ؛ لَكِنَّ هَذا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ جَرَّدَ ثَوْباً جَيِّداً وَضَرَبَ ظَهْرَه : هَذا الضَّرْبُ ثَوْبٌ صَالِحُ لَكَ ؛ ونحو هذا ، و«الخَمْطِ » : شَجَرُ الأَرَاكِ ، قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُه ، وقِيلَ : «الخَمْطُ » : كُلُّ شَجَرِ لَهُ شَوْكٌ وَثَمْرَتَهُ كَرِيهَةُ الطَّعْمِ بِمَرَارَةٍ أَو حُمُوضَةٍ أو نَحْوِه ، وَمِنْه تَخَمَّطَ اللَّبَنُ إذَا تَغَيَّرَ طُعْمُه و«الأَثْلُ » : ضَرْبٌ من الطَّرْفَاءِ ، هذا هو الصَّحِيحُ ، و«السدر » : معروفٌ وهُو لَه نَبْقٌ شَبَهُ العُنَّابِ لكنَّه دُونَه في الطَّعْمِ بِكَثِير ، وللخَمْطِ ثَمرٌ غَثُّ هُوَ البَرِيرُ ، وللأَثْلِ ثَمْرٌ قَلِيلُ الغَنَاءِ غَيْرُ حَسَنِ الطَّعْمِ ، وقرأ نافع وابن كثير : «أُكلٌ » بِضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الكَافِ ، والبَاقُونَ بِضَمِّهِمَا وهُمَا بمعنى الجَنَى والثَّمْرَةِ ، ومِنْه : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } [ سورة إبراهيم : 25 ] أي : جناها ، وقرأ أبو عمرو : «أُكُلِ خُمْطٍ » بإضافةِ «أُكُل » إلى «خمط » .