الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

{ وما أرسلناك إلا كافة للناس } جامعا لهم كلهم بالإنذار والتبشير { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ذلك

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

ولما ختم بوصف الحكمة فتم برهان القدرة التي{[56879]} كان أوجب اعتقادهم لعدم البعث ما يقتضي نقصاً فيها ، ولزم عن ذلك التوحيد وبطل الشرك{[56880]} ، لم يبق إلا إثبات الرسالة التي أوجب{[56881]} ترديدهم أخباره{[56882]} صلى الله عليه وسلم بين الكذب والجنون الطعن فيها ، فعلم أن التقدير : أرسل إليكم رسوله بعزته مؤيداً له بإعجاز هذا القرآن بحكمته دليلاً على صدقه وكماله في جبلته وتأهله لبدائع نعمته ومعالي رحمته ، وكان في ذلك دليل الصدق في الرسالة ؛ فنسق به قوله معلياً لشأنه بالخطاب في مظهر العظمة ، إشارة إلى أنه ينبغي أن يتدرع جلابيب الصبر على جميع المكاره الصادرة من أنواع الخلق في أداء الرسالة بقوله عاطفاً{[56883]} على { ولقد آتينا داود منا فضلاً } مؤكداً تكذيباً لمن يدعي الخصوص : { وما أرسلناك } أي بعظمتنا { إلا كآفة } أي إرسالاً عاماً شاملاً لكل ما شمله إيجادنا ، تكفهم عما لعلهم أن ينتشروا إليه من متابعة الأهوية ، وتمنعهم عن{[56884]} أن يخرج عنها منهم أحد ، فالتاء في " كافة " للمبالغة ، وعبارة ابن الجوزي : أي{[56885]} عامة لجميع الخلائق { للناس } أي كل من فيه قابلية لأن ينوس{[56886]} من الجن والإنس وغيرهم من جميع ما سوى الله وإن آذوك بكل أذى {[56887]}من النسبة{[56888]} إلى الافتراء أو{[56889]} الجنون أو غيرهما ، فحال الإرسال محصور في العموم للغرض الذي ذكر من التدرع لحمل المشاق ، لا في الناس ، فإنه لو أريد ذلك لقدموا فقيل : إلا للناس كافة{[56890]} ، وقد مضى في أوائل الأنعام عن السبكي ما ينفع هنا ، والمعنى أن داود عليه السلام فضل بطاعة الجبال له والطير والحديد ، وسليمان عليه السلام بما ذكر له ، ففضيلتك أنت بالإرسال إلى كل من{[56891]} يمكن نوسه ، فالحصى سبحت في كفك ، والجبال أمرت بالسير معك ذهباً وفضة ، والحمرة شكت إليك أخذ فراخها أو{[56892]} بيضها ، والضب شهد لك ، والجمل شكا إليك وسجد لك ، والأشجار أطاعتك ، والأحجار سلمت عليك و{[56893]}ائتمرت بأمرك{[56894]} إلى غير ذلك من كل من{[56895]} ينوس بالفعل أو القابلية - والله أعلم ، وأما الجن فحالهم مشهور ، وأما الملائكة فالدلائل على الإرسال إليهم في غاية الظهور ، وفي دلائل النبوة في باب التحدث بالنعمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية دليل على فضل النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء بعموم الرسالة للإنس والجن{[56896]} .

ولما كانت البشارة هي الخبر الأول الصدق السار ، وكان في ذكرها رد قولهم في الكذب والجنون ، قال : { بشيراً ونذيراً } أي لمن أهل للبشارة{[56897]} أو النذارة . ولما كان هذا الإرسال مقروناً بدليله من الإتيان بالمعجز من نفسه من جهة البلاغة في نظمه وبالمعاني المحكمة في البشارة والنذارة وغير ذلك ، قلب عليهم قولهم الذي لا دليل عليه ولا شبهة تصوب إليه في حقه صلى الله عليه وسلم بقوله الذي هو{[56898]} أوضح من الشمس دليلاً ، وأقوم كل قيل قيلاً : { ولكن } ولما كان الناس الأولين كل من فيه قابلية النوس وهم جميع الخلائق وأكثرهم غير عاص ، أظهر مريداً الثقلين من الجن والإنس فقال ( فأكثر الناس لا يعلمون ) أي ليس لهم قابلية العلم فيعلموا أنك رسول الله فضلاً عن أن إرسالك عام ، بل هم كالأنعام ، فهم لذلك لا يتأملون فيقولون " افترى أم به جنة " ونحو هذا من غير تدبر لما في هذا الكتاب من الحكمة والصواب مع الإعجاز في حالي الإطناب والإيجاز ، والإضمار والإبراز ، فيحملهم جهلهم على المخالفة والإعراض{[56899]} .


[56879]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الذي.
[56880]:زيد من ظ وم ومد.
[56881]:سقط من ظ.
[56882]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أخبارهم.
[56883]:في ظ: عطفا.
[56884]:سقط من ظ وم ومد.
[56885]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أن.
[56886]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يونس.
[56887]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالنسبة.
[56888]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالنسبة.
[56889]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[56890]:سقط من ظ وم ومد.
[56891]:من م ومد، وفي الأصل وظ: ما.
[56892]:في ظ "و".
[56893]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أو.
[56894]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بك.
[56895]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ما.
[56896]:زيد من ظ وم.
[56897]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: البشارة.
[56898]:زيد من ظ وم ومد.
[56899]:سقط من ظ وم ومد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (28)

قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 28 ) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 29 ) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ } { كافّة } ، منصوب على الحال من كاف { أرسلناك } . والمعنى : إلا جامعا للناس في الإبلاغ . والكافة بمعنى الجامع ، والهاء للمبالغة . وقيل : { كافّة } صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرسالة كافة . وقيل : كافة ، حال من الناس ؛ أي للناس كافة{[3811]} يخاطب الله جل وعلا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم مبلغا إياه أنه أرسله لهداية الناس كافة ؛ بل إنه مبعوث للعالمين من الثقلين جميعا وهما الإنس والجن { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي بشير الطائعين المستجيبين لدعوة الحق بالتوفيق والسعادة في الدنيا ، وبالنجاة والفوز يوم القيامة . وهو كذلك نذير للعصاة الذي يخالفون أمر الله ولا يستجيبون لنداء الحق واليقين .

لقد أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ورسالة الحق للعالمين . وتلكم هي رسالة الإسلام العظيم الذي تتجلى فيه كل معاني الخير والحق والعدل والرحمة . وهو دين وسط مناف للإفراط والتفريط ، وموافق للفطرة البشرية السليمة .

وهذه خصائص كبريات تحقق الصلوح الكامل لهذا الدين على مدى الأزمان كلها .

قوله : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } أكثر الناس سادرون في الغي والباطل ساربون في الجهالة والاعوجاج ، جانحون للشهوات والأهواء . لقد أضلهم شيطان الجن بوسوسته التي تسري في ذهنه وخياله وأعصابه ، فتُسوّل له الكفر والعصيان ، وتكرِّهُ إليه الإيمان والاستقامة والفضيلة وكذلك شياطين الإنس قد أسهموا أعظم إسهام في إغواء البشرية واجتيال الناس عن عقيدة التوحيد وإضلالهم عن منهج الله وسَوْقهم سَوْقا إلى الفساد والإباحية والشر بكل صوره وأصنافه . من أجل ذلك فإن أكثر الناس موغلون في الضلال والباطل .


[3811]:الدر المصون ج 9 ص 185-186.