الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ستون آية بلا خلاف

{ والذاريات ذروا } أي الرياح التي تذرو التراب

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الذاريات{[1]}

قصودها الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحا وبشرت به تلويحا ، ولا سيما آخرها{[2]}من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة ، واسمها الذاريات ظاهر في ذلك بملاحظة جواب القسم فإنه مع القسم لشدة الارتباط كالآية الواحدة{[3]} وإن كان خمسا ، والتعبير عن الرياح بالذاريات أتم إشارة إلى ذلك ، فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه وإن كانت موجودة معهم كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه موجودة ، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها ، والريح من شأنها الذرء وهو التفريق ، فإذا أراد الله جمعت فكان ما أراد ، فإنها تفرق الأبخرة ، فإذا أراد الله سبحانه جمعها فحملها ما أوجد فيها فأوقرها به فأجراها إجراء سهلا ، فقسم منها ما أراد تارة برقا وأخرى رعدا ، يصل صليل الحديد على الحديد ، أو الحجر على مثله مع لطافة السحاب ، كل ما يشاهد{[4]} فيه من الأسباب ، وآونة مطرا شديد الانصباب ، ومرة {[5]} بردا ومرة ثلجا{[6]} يرجى ويهاب ، وحينا صواعق ونيرانا لها أي التهاب ، ووقتا جواهر ومرجانا بديعة الإعجاب ، فتكون مرة سرورا ورضوانا ، وأخرى غموما وأحزانا ، وغبنا وخسرانا ، على أنهم أخيل الناس في بعض ذلك ، يعرفون السحاب الذي يخيل المطر والذي لا يخيله والذي مطره دان ، والذي لم يأن له أن يمطر-إلى غير ذلك من أشياء ذكرها أهل الأدب وحملها أهل اللغة عنهم ، وكل ذلك بتصريف الملائكة عن أمر الله ، ولذلك-والله أعلم- سن أن يقال عند سماع{[7]} الرعد{[8]} : {[9]} سبحان الله{[10]} سبوح قدوس ، بيانا لأن المصرف الحق هو الله تعالى " رب الملائكة " أي الذين أقيموا لهذا " والروح " الذي يحمله هذا الجسم من مطر أو نار أو غيرهما والله الموفق { بسم الله } المحيط بصفات الكمال فهو لا يخلف الميعاد { الرحمن } الذي عم الخلائق بنعمة الإيجاد { الرحيم } الذي خص من اختاره بالتوفيق لما يرضاه من المراد .

لما{[61282]} ختم سبحانه ق بالتذكير بالوعيد ، افتتح هذه بالقسم البالغ على صدقه ، فقال مناسباً {[61283]}بين القسم{[61284]} والمقسم عليه : { والذاريات } أي الرياح التي من شأنها الإطارة والرمي والتفريق والإذهاب ، وأكد ذلك بقوله : { ذرواً * } أي بما تصرفها فيه الملائكة ، قال الأصبهاني : الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش ، فتهيج من ثم فتقع بعجلة الشمس ثم تهيج{[61285]} عن عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال ، ثم من رؤوس الجبال تقع في البر ، فأما الشمال {[61286]}فإنها تمر{[61287]} تحت عدن فتأخذ من عرف طيبها فتمر على أرواح الصديقين ، ثم تأخذ حدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس ، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل ، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس ، وتأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش ، فلا تدخل هذه في حد هذه ولا هذه في حد هذه-{[61288]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[61282]:من مد، وفي الأصل: ولما.
[61283]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61284]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61285]:زيد في مد: فتقع.
[61286]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61287]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61288]:زيد من مد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية ، وآياتها ستون . وفيها تركيز على الإيمان بالله خالق كل شيء ، والتحذير من عقابه الذي يصيب به الفاسقين المعرضين عن منهج الله . والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله بأجزاء من خلقه على أن وعده من الثواب والعقاب والحساب حق وصدق لا ريب فيه .

وفي السورة وصف سريع ومقتضب لأحوال الظالمين السابقين الذين عصوا رسل ربهم وضلوا السبيل فأهلكهم الله بذنوبهم وعصيانهم . ومنهم قوم لوط الذين جعل الله عاليهم سافلهم ، وقوم فرعون الذين أخذوا بالتغريق ، وقوم عاد الذين أهلكوا بالريح العقيم ، قوم ثمود الذين أخذتهم الصيحة ، وقوم نوح الذين أتى عليهم الطوفان فقطع دابرهم .

وفي السورة إعلان من الله يبين فيه علة خلق العالمين وهي عبادة الله وحده والإذعان لجلاله بالخضوع والطاعة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } إلى غير ذلك من صور التذكير والعبر والأخبار .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والذاريات ذروا 1 فالحاملات وقرا 2 يوم فالجاريات يسرا 3 فالمقسّمات أمرا 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لواقع 6 والسماء ذات الحبك 7 إنكم لفي قول مختلف 8 يؤفك عنه من أفك 9 قتل الخراصون 10 الذين هم في غمرة ساهون 11 يسئلون أيان يوم الدين 12 يوم هم على النار يفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } .

يقسم الله بأجزاء من خلقه . فقد أقسم ههنا بالذاريات وهي الرياح . وأقسم بالحاملات وقرا ، وذلكم السحاب الذي يحمل قطرات المطر ليسوقه إلى مختلف البلدان والأقاليم . وكذلك أقسم بالجاريات يسرا ، وهي السفن المحملة بالعباد والأمتعة ، والتي تجري على سطح الماء في سهولة ولين ، وذلك بما بثه الله في الأجسام من خاصية الطفو على سطح الماء . ثم أقسم الله بالمقسّمات أمرا ، وهي الملائكة تحمل الأمر من السماء إلى الأرض على اختلافه ما بين خصب وقحط وسعة وفقر ونصر وهزيمة وولادة وموت ، وغير ذلك من وجوه الحوادث والأمور . ويدل على هذا التأويل مما تقدم ما روي عن علي ( رضي الله عنه ) أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك فقام إليه الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } ؟ قال علي ( رضي الله عنه ) : الريح .