الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا} (2)

فإن قلت : بم انتصب { قَيِّماً } ؟ قلت : الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب ؛ لأنّ قوله { وَلَمْ يَجْعَل } معطوف على أنزل ، فهو داخل في حيز الصلة ، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة ، وتقديره : ولم يجعل له عوجا جعله قيماً ؛ لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة .

فإن قلت : ما فائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة ، وفي أحدهما غنى عن الآخر ؟ قلت : فائدته التأكيد ، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح . وقيل : قيما على سائر الكتب مصدقاً لها ، شاهداً بصحتها . وقيل : قيماً بمصالح العباد وما لا بدّ لهم منه من الشرائع وقرىء «قيماً » «أنذر » متعدّ إلى مفعولين ، كقوله { إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً } [ النبأ : 40 ] فاقتصر على أحدهما ، وأصله { لِّيُنذِرَ } الذين كفروا { بَأْسًا شَدِيدًا } والبأس من قوله { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأساً وبآسة { مِّن لَّدُنْهُ } صادراً من عنده . وقرىء «من لدنه » بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون { وَيُبَشِّرُ } بالتخفيف والتثقيل .

فإن قلت : لم اقتصر على أحد مفعولى أنذر ؟ قلت : قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه ، فوجب الاقتصار عليه . والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله { وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا ( 4 ) } متعلقاً بالمنذرين من غير ذكر المنذر به ، كما ذكر المبشر به في قوله : { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } استغناء بتقدّم ذكره .