محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا} (2)

{ قيما } أي قيما بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع . فهو وصف له بأنه مكمل لهم ، بعد وصفه بأنه كامل في نفسه . أو قيما على الكتب السالفة ، مهيمنا عليها . أو متناهيا في الاستقامة والاعتدال . فيكون تأكيدا لما دل عليه نفي العوج . مع إفادة كون ذلك من صفاته الذاتية اللازمة له ، حسب ما تنبئ عنه . وانتصابه بمضمر تقديره ( جعله ) كما ذكرنا . على أنه جملة مستأنفة . وفيه وجوه أخر .

تنبيه :

ذهب القاشاني أن الضمير في { له } وما بعده لقوله { عبده } قال : أي لم يجعل لعبده زيغا وميلا . وجعله قيما ، يعني مستقيما ، كما أمره بقوله : { فاستقم كما أمرت } أو قيما بأمر العباد وهدايتهم ، إذ التكميل يترتب على الكمال . لأنه ، عليه الصلاة والسلام ، لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها ، أقيمت نفوس أمته مقام نفسه . فأمر بتقويمها وتزكيتها . ولهذا المعنى سمي إبراهيم ، صلوات الله عليه ، أمة . وهذه القيمية أي القيام بهداية الناس ، داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة ، انتهى .

والأظهر الوجه الأول .

وقوله تعالى : { لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ } أي لينذر من خالفه ولم يؤمن به ، عذابا شديدا عاجلا أو آجلا ، و ( البأس ) : القهر والعذاب ، وخصصه بقوله : { مِن لَّدُنْهُ } إشارة إلى زيادة هوله . ولذلك عظمه بالتنكير . متعلق ب { أنزل } أو بعمل { قيما } { ويبشر المؤمنين } أي به . وقال القاشاني : أي الموحدين ، لكونهم في مقابلة المشركين ، الذين قالوا اتخذ الله ولدا . وقوله تعالى : { الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } أي من الخيرات والفضائل { أن لهم } أي بأن لهم ، بمقابلة إيمانهم وأعمالهم المذكورة { أجرا حسنا } وهو الجنة { ماكثين فيه أبدا } .