قوله : { قَيِّماً } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه حالٌ من " الكتاب " . والجملةُ مِنْ قولِه " ولم يَجْعَلْ " اعتراضٌ بينهما . وقد مَنَع الزمخشريُّ ذلك فقال : " فإنْ قُلْتَ : بم انتصَبَ " قَيِّماً " ؟ قلت : الأحسنُ أن ينتصِبَ بمضمرٍ ، ولم يُجْعَلْ حالاً من " الكتابَ " لأنَّ قولَه " ولم يَجْعَلْ " معطوفٌ على " أَنْزَلَ " فهو داخلٌ في حَيِّزِ الصلةِ ، فجاعِلُه حالاً فاصِلٌ بين الحالِ وذي الحالِ ببعضِ الصلةِ " . وكذلك قال أبو البقاء . وجوابُ هذا ما تقدَّمَ مِنْ أَنَّ الجملةَ اعتراضٌ لا معطوفةٌ على الصلةِِ .
الثاني : أنَّه حالٌ مِنَ الهاءِ في " له " . قال أبو البقاء : " والحالُ موكِّدةٌ . وقيل : منتقلةٌ " . قلت : القولُ بالانتقالِ لا يَصِحُّ .
وفَعَلَ حفص في مواضعَ من القرآن مثلَ فِعْلِهِ هنا مِنْ سكتةٍ لطيفةٍ نافيةٍ لوَهْمٍ مُخِلٍّ . فمنها : أَنَّه كان يقفُ على " مَرْقَدِنا " ، ويَبْتدئ : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ } [ يس : 52 ] . قال : " لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ " هذا " صفةٌ ل " مَرْقَدِنا " فالوقفُ يبيَِّن أنَّ كلامَ الكفارِ انقَضى ، ثم ابتُدِئ بكلامِ/ غيرِهم . قيل : هم الملائكةُ . وقيل : هم المؤمنون . وسيأتي في يس ما يَقْتضي أنْ يكونَ " هذا " صفةً ل " مَرْقَدِنا " فيفوتُ ذلك .
ومنها : { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [ القيامة : 27 ] . كان يقف على نونِ " مَنْ " ويَبْتَدِئ " راقٍ " قال : لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّها كلمةٌ واحدةٌ على فَعَّال اسمَ فاعلٍ للمبالغة مِنْ مَرَق يَمْرُق فهو مَرَّاق .
ومنها : { بَلْ رَانَ } [ المطففين : 14 ] كان يقفُ على لام بل ، ويَبْتدئ " رانَ " لِما تقدَّم .
قال المهدويُّ : " وكان يَلْزَمُ حفصاً مثلُ ذلك ، فيما شاكَلَ هذه المواضِعَ ، وهو لا يَفعلُه ، فلم يكن لقراءتِه وَجْهٌ من الاحتجاجِ إلا اتباعُ الأثَرِ في الرواية " . قال أبو شامة : " أَوْلَى من هذه المواضعِ بمراعاةِ الوقفِ عليها : " ولا يَحْزُنْكَ قولُهم .
{ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } [ يونس : 65 ] ، الوقفُ على " قَوْلُهم " لئلا يُتَوَهَّم أنَّ ما بعده هو المقولُ " ، وكذا { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } [ غافر : 67 ] ينبغي أن يُعْتَنَى بالوقفِ على " النار " لئلا تُتَوَهَّم الصفةُ " .
قلت : وَتَوَهُّمُ هذه الأشياءِ مِنْ أبعدِ البعيدِ . وقال أبو شامةَ أيضاً : " ولو لَزِم الوقفُ على اللامِ والنونِ ليَظْهرا لَلَزِمَ ذلك في كلِّ مُدْغَمٍ " . قلت : يعني في " بَلْ رَان " وفي " مَنْ راقٍ " .
قوله : " لِيُنْذِرَ " في هذه اللامِ وجهان ، أحدُهما : أنَّها متعلقةٌ ب " قَيِّماً " قاله الحوفيُّ . والثاني : -وهو الظاهرُ- أنها تتعلَّق ب " أَنْزَلَ " . وفاعلُ " لِيُنْذِرَ " يجوز أن يكونَ " الكتابَ " وأن يكونَ الله ، وأن يكون الرسول .
و " أَنْذَرَ " يتعدَّى لاثنين : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } [ النبأ : 40 ]
{ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } [ فصلت : 13 ] . ومفعولُه الأولُ محذوفٌ ، فقدَّره الزمخشريُّ : " ليُنْذِرَ الذين كفروا ، وغيره : " ليُنْذِرَ العبادَ " ، أو " لِيُنْذِرَكم " ، أو لِيُنْذِرَ العالَم . وتقديرُه أحسنُ لأنه مقابلٌ لقولِه { وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ } ، وهو ضِدَّهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.