نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا} (2)

وأتبعه {[45414]}حالاً أخرى له بقوله تعالى{[45415]} : { قيماً } تصريحاً باللازم {[45416]}تأكيداً له{[45417]} ، ومقيداً أنه مهيمن على ما قبله من الكتب {[45418]}مقيم لغيره{[45419]} ، وقد مضى في الفاتحة ثم في الأنعام عن الإمام سعد الدين التفتازاني الشافعي رحمه الله أن كل سورة افتتحت بالحمد{[45420]} فللإشارة إلى نعمة من أمهات النعم التي هي{[45421]} إيجاد وإبقاء أولاً ، وإيجاد وإبقاء ثانياً ، وأنه أشير في الفاتحة لكونها أم الكتاب{[45422]} إلى الأربع ، وفي الأنعام إلى الإيجاد الأول {[45423]}وهو ظاهر ، وفي هذه السورة إلى الإبقاء الأول ، فإن نظام العالم وبقاء النوع الإنساني يكون بالنبي والكتاب .

انتهى . ويؤيده أنه في هذه السورة ذكر أنه انتظم بأهل الكهف أمر من اطلع عليهم من أهل زمانهم ثم بالخضر عليه السلام كثير من الأحوال ، ثم بذي القرنين أمر جميع أهل الأرض بما يسر له من الأسباب التي منها السد الذي بيننا وبين ياجوج وماجوج الذين يكون بهم . إذا أخرجهم الله تعالى - فساد الأرض كلها ، ثم ذكر في التي تليها من أهل وده واصطفائه من اتبعهم لنظام العالم بما وفقهم له من طاعته ، وبصرهم به من معرفته ، واستمر كذلك في أكثر السور حتى ذكر السورة التي أشار فيها إلى الإيجاد الثاني ، وأتبعها بالتي أشار فيها إلى الإبقاء الثاني ، ولما كان إبقاء الأول يقتضي مهلة لبلوغ حد التكليف{[45424]} وإجراء القلم{[45425]} ثم مهلة أخرى يكون فيها العمل والاستعداد لما لأجله كان هذا{[45426]} الوجود من العرض على الرحمن ، للجزاء بالإساءة أو{[45427]} الإحسان ، ومهلة أخرى يُحبس فيها السابق من الخلائق إلى ورود مشرع الموت لانتظار اللاحق ، إلى بلوغ ما ضرب سبحانه من الآجال ، لأزمان الإمهال ، وقيام الناس أجمعين ، لرب العالمين ، وهو البرزخ وكان ما قبل التكليف شبيهاً بالعدم إلا في تعلم الكتاب والتوحيد والاجتماع على أهل الدين والوفاء بما تقدموا فيه بالعهد من الأحكام{[45428]} ، ودربوا عليه من الحلال والحرام ، أشير إليه بما بين الفاتحة والأنعام التي هي سورة الإيجاد الأول من السور الأربع ، وكأن سن{[45429]} الاحتلام كان أول الإيجاد من الإعدام ، وأشير إلى بقية العمر وهو زمان التكليف بما بين الأنعام وهذه السورة من السور التي ذُكِرَ فيها مصارع الأولين وأخبار الماضين تحذيراً من مثل أحوالهم ، لمن نسج على منوالهم ، {[45430]}وختمت بالتحميد مقترناً بالتوحيد إشارة{[45431]} إلى أنه يجب الاجتهاد في أن يختم الأجل في أعلى ما يكون من خصال الدين{[45432]} ، وأشير إلى مهلة البرزخ بما بين هذه وسورة الإيجاد الثاني من السور التي ذكر في غالبها مثل ذلك ، وأكثر فيها كلها من{[45433]} ذكر الموت وما بعده من البرزخ الذي يكون لانقطاع العلائق{[45434]}

باجتماع الخلائق ، لأجل التخلي في رد العظمة ، والكشف البليغ عن نفوذ الكلمة ، والتحلي بالحكم باستقرار الفريقين في دار النعيم أو غار{[45435]} الجحيم ، وأكثر فيما بين هذه وبين سبأ من أمر البعث كثرة ليست فيما مضى حتى صدر بعضها به ، وبناها عليه كسورتي الأنبياء

{ اقترب للناس حسابهم }[ الأنبياء : 1 ] والحج

{ إن{[45436]} زلزلة الساعة شيء عظيم }[ الحج : 1 ] ولما لم{[45437]} يكن بين البعث وما بعده مهلة لشيء من ذلك ، عقب سورة الإيجاد الثاني بسورة الإبقاء الثاني من غير فاصل ولا حاجز ولا حائل - والله أعلم .

ولما وصف الكتاب بما له من العظمة في{[45438]} جميع ما مضى من أوصافه من الحكمة والإحكام ، والتفصيل والبيان ، والحقية ، والإخراج من الظلمات إلى النور ، والجمع لكل معنى والتبيان لكل شيء ، أتبعه ذكر فائدته {[45439]}مقدماً ما هو الأهم من درء المفسدة بالإنذار ، لأنه مقامه كما هو ظاهر من { سبحان }{[45440]} فقال : { لينذر } {[45441]}وقصره على{[45442]}

المفعول الأول ليعم كل من يصح قبوله الإنذار ولو تقديراً ، وليفيد أن الغرض بيان المنذر به لا المنذر { بأساً شديداً } كائناً { من لدنه } {[45443]}أي أغرب ما عنده من الخوارق بما في هذا الكتاب من الإعجاز{[45444]} لمن خالف أمره من عذاب الدنيا والآخرة كوقعة{[45445]}

بدر وغيرها {[45446]}المفيد لإدخال الإسلام{[45447]} عليهم وهم كارهون ، بعد ما كانوا فيه من القوة وهو من الضعف { ويبشر المؤمنين } أي الراسخين في هذا الوصف { الذين يعملون الصالحات } وهو{[45448]} ما أمر به خالصاً له{[45449]} ، {[45450]}وذلك من{[45451]} أسنان مفتاح الإيمان { أن لهم } أي من حيث هم عاملون { أجراً حسناً * } وهو النعيم ،


[45414]:في ظ: بصلة.
[45415]:في ظ: بصلة.
[45416]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45417]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45418]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45419]:سقط ما بين الرقمين من ظ
[45420]:زيد من ظ ومد.
[45421]:زيد في مد: من.
[45422]:من ظ ومد، وفي الأصل: القرآن.
[45423]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45424]:من ظ ومد، وفي الأصل: التميز.
[45425]:زيد من ظ ومد.
[45426]:من ظ ومد وفي الأصل: هنا.
[45427]:من ظ ومد وفي الأصل "و".
[45428]:زيد من ظ ومد.
[45429]:من ظ ومد وفي الأصل: بين.
[45430]:العبارة من هنا إلى "من خصال الدين" ساقطة من ظ.
[45431]:زيد من مد.
[45432]:زيد من مد.
[45433]:زيد من ظ ومد.
[45434]:زيد من ظ ومد.
[45435]:من ظ ومد وفي الأصل: دار.
[45436]:من ظ ومد والقرآن الكريم، وفي الأصل: أي.
[45437]:زيد من ظ ومد.
[45438]:من ظ ومد، وفي الأصل: من.
[45439]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45440]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45441]:العبارة من هنا إلى "لا المنذر" ساقطة من ظ.
[45442]:في مد: عن.
[45443]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45444]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[45445]:من ظ ومد، وفي الأصل: لوقعة.
[45446]:العبارة من هنا إلى "من الضعف" ساقطة من ظ.
[45447]:من مد، وفي الأصل: من سلام.
[45448]:في ظ: هي.
[45449]:زيد من مد.
[45450]:العبارة من هنا إلى "مفتاح الإيمان" ساقطة من ظ.
[45451]:سقط من مد.