ثم اختلف في قوله : { قيما } قال بعضهم : القيم الشاهد ، أي القيم على الكتب والشاهد عليها في الزيادة والنقصان وفي التغيير والتحريف ، يبين ما زادوا فيها ، و ما نقصوا ، وما حرفوه ، وما غيروه ، كقوله : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم }الآية( البقرة : 79 )
وقوله : { يحرفون الكلم عن مواضعه } ( النساء : 46 ) وقوله : { وإن منهم لفريقا } الآية( آل عمران : 78 ) كان يحرفون نَظْمَهُ وَرَصْفَهُ .
ومنهم من كان يحرف أحكامه . فهذا القرآن شاهد وقَيِّمُُ في بيان ما فعلوا .
وقال بعضهم : قوله : { قيما } أي ثابتا قائما أبدا } لا يبدَّل ، ولا يغير ، ولا يزداد ، ولا ينقص ، وهو على ما وصفه { لا يأتيه الباطل } الآية( فصلت : 42 ) وهو على ما وصف الحق بالثبات والقيام ، والباطل بالذهاب والتلاشي كقوله : { كذلك يضرب الله الحق والباطل }الآية : { الرعد : 17 ) وما وصف الكلمة الطيبة بالثبات والقيام لها ، والخبيثة بالزوال والتغيير والذهاب . فعلى ذلك هذا القرآن لأنه حق .
وقال بعضهم : { قيما } أي مستقيما . وتأويل المستقيم المستوي الموافق ، أي يصدق بعضه بعضا ، ويوافق أوله آخره ، وآخره أوله ، أي لم يَخْرُجْ مختلفا ، وهو على ما قال : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا اختلافا كثيرا } ( النساء : 82 ) أي{[11364]} لو كان من عند غير الله على ما قال أولئك الكفرة لكان خرج مختلفا متناقضا ، ينقض أوله آخره ، وآخره أَوَّلَهُ .
فإن لم يكن دل أنه من عند الله نزل ، ولو كان على ما يقول{[11365]} أصحاب العموم والظاهر أيضا لم يكن { قيما } ولا مستقيما } بل لخرج{[11366]} مختلفا متناقضا ، لأنهم يعتقدون على العموم والظاهر ، ثم يخصون بدليل ، هو{[11367]} مختلف .
وأصله قيم بالحجج والبراهين على أي تأويل كان ، وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : { لينذر بأسا شديدا } أي أنزله على عبده لينذركم بأسا شديدا ، أي لينذر ببأس شديد ، والبأس العذاب .
وقوله تعالى : { من لدنه } هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أنزل على عبده الكتاب { من لدنه } أي من عنده .
والثاني : لينذر{[11368]} الكفار بأسا شديدا ، يَنْزِلَ من عنده ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات } فيه دلالة أنه قد يكون المؤمنون يستحقون{[11369]} اسم الإيمان ، وإن لم يعملوا الصالحات حين{[11370]} ذكر المؤمنين ، ثم ذكر الأعمال الصالحات . خَصَّ المؤمنين بعمل الصالحات ، لكن البشارة المطلقة إنما تكون للمؤمنين الذين عَمِلُوا الصالحات ، لأنه لم يذكر البشارة المطلقة في جميع القرآن إلا{[11371]} للمؤمنين الذين عملوا الصالحات .
ثم المؤمنون الذين عملوا غير الصالحات في مشيئة الله ؛ إن شاء عفا عنهم ، و إن شاء عذبهم بقدر عملهم الذي كانوا عملوا ، و إن شاء قابل سيئاتهم بحسناتهم ؛ فإن فضلت حسناتهم على سيئاتهم بدَّل سيئاتهم حسنات على ما أخبر : { فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ( الفرقان : 70 ) هم في مشيئة الله على ما ذكر ، و ليست لهم البشارة المطلقة التي للمؤمنين الذين عملوا الصالحات .
وقوله تعالى : { أن لهم أجرا حسنا } لا سوء فيه ، ولا قبح .
وقوله تعالى : { أن لهم أجرا حسنا } دون قوله : { أن لهم أجرا كبيرا )( الإسراء : 9 ) كبيرا في الذكر ، لكنه صار مثله بقوله : { ماكثين فيه أبدا } لا يخرجون منه أبدا ، وهم مقيمون فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.