تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا} (2)

ثم اختلف في قوله : { قيما } قال بعضهم : القيم الشاهد ، أي القيم على الكتب والشاهد عليها في الزيادة والنقصان وفي التغيير والتحريف ، يبين ما زادوا فيها ، و ما نقصوا ، وما حرفوه ، وما غيروه ، كقوله : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم }الآية( البقرة : 79 )

وقوله : { يحرفون الكلم عن مواضعه } ( النساء : 46 ) وقوله : { وإن منهم لفريقا } الآية( آل عمران : 78 ) كان يحرفون نَظْمَهُ وَرَصْفَهُ .

ومنهم من كان يحرف أحكامه . فهذا القرآن شاهد وقَيِّمُُ في بيان ما فعلوا .

وقال بعضهم : قوله : { قيما } أي ثابتا قائما أبدا } لا يبدَّل ، ولا يغير ، ولا يزداد ، ولا ينقص ، وهو على ما وصفه { لا يأتيه الباطل } الآية( فصلت : 42 ) وهو على ما وصف الحق بالثبات والقيام ، والباطل بالذهاب والتلاشي كقوله : { كذلك يضرب الله الحق والباطل }الآية : { الرعد : 17 ) وما وصف الكلمة الطيبة بالثبات والقيام لها ، والخبيثة بالزوال والتغيير والذهاب . فعلى ذلك هذا القرآن لأنه حق .

وقال بعضهم : { قيما } أي مستقيما . وتأويل المستقيم المستوي الموافق ، أي يصدق بعضه بعضا ، ويوافق أوله آخره ، وآخره أوله ، أي لم يَخْرُجْ مختلفا ، وهو على ما قال : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا اختلافا كثيرا } ( النساء : 82 ) أي{[11364]} لو كان من عند غير الله على ما قال أولئك الكفرة لكان خرج مختلفا متناقضا ، ينقض أوله آخره ، وآخره أَوَّلَهُ .

فإن لم يكن دل أنه من عند الله نزل ، ولو كان على ما يقول{[11365]} أصحاب العموم والظاهر أيضا لم يكن { قيما } ولا مستقيما } بل لخرج{[11366]} مختلفا متناقضا ، لأنهم يعتقدون على العموم والظاهر ، ثم يخصون بدليل ، هو{[11367]} مختلف .

وأصله قيم بالحجج والبراهين على أي تأويل كان ، وبالله التوفيق .

وقوله تعالى : { لينذر بأسا شديدا } أي أنزله على عبده لينذركم بأسا شديدا ، أي لينذر ببأس شديد ، والبأس العذاب .

وقوله تعالى : { من لدنه } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أنزل على عبده الكتاب { من لدنه } أي من عنده .

والثاني : لينذر{[11368]} الكفار بأسا شديدا ، يَنْزِلَ من عنده ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات } فيه دلالة أنه قد يكون المؤمنون يستحقون{[11369]} اسم الإيمان ، وإن لم يعملوا الصالحات حين{[11370]} ذكر المؤمنين ، ثم ذكر الأعمال الصالحات . خَصَّ المؤمنين بعمل الصالحات ، لكن البشارة المطلقة إنما تكون للمؤمنين الذين عَمِلُوا الصالحات ، لأنه لم يذكر البشارة المطلقة في جميع القرآن إلا{[11371]} للمؤمنين الذين عملوا الصالحات .

ثم المؤمنون الذين عملوا غير الصالحات في مشيئة الله ؛ إن شاء عفا عنهم ، و إن شاء عذبهم بقدر عملهم الذي كانوا عملوا ، و إن شاء قابل سيئاتهم بحسناتهم ؛ فإن فضلت حسناتهم على سيئاتهم بدَّل سيئاتهم حسنات على ما أخبر : { فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ( الفرقان : 70 ) هم في مشيئة الله على ما ذكر ، و ليست لهم البشارة المطلقة التي للمؤمنين الذين عملوا الصالحات .

وقوله تعالى : { أن لهم أجرا حسنا } لا سوء فيه ، ولا قبح .

وقوله تعالى : { أن لهم أجرا حسنا } دون قوله : { أن لهم أجرا كبيرا )( الإسراء : 9 ) كبيرا في الذكر ، لكنه صار مثله بقوله : { ماكثين فيه أبدا } لا يخرجون منه أبدا ، وهم مقيمون فيه .


[11364]:في الأصل و.م: و.
[11365]:في الأصل و.م: يقولون.
[11366]:في الأصل و.م: يخرج.
[11367]:في الأصل و.م: فهو.
[11368]:في الأصل و.م: لينذركم.
[11369]:في الأمر و.م: ويستحقون.
[11370]:في الأصل و.م: حيث.
[11371]:في الأصل و.م: لا.