فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا} (2)

والقيم : المستقيم الذي لا ميل فيه ، أو القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية ، أو القيم على ما قبله من الكتب السماوية مهيمناً عليها ، وعلى الأوّل يكون تأكيداً لما دل عليه نفي العوج ، فربّ مستقيم في الظاهر لا يخلو عن أدنى عوج في الحقيقة ، وانتصاب { قيماً } بمضمر ، أي جعله قيماً ، ومنع صاحب الكشاف أن يكون حالاً من الكتاب ، لأن قوله { ولم يجعل } معطوف على { أنزل } فهو داخل في حيز الصلة ، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة . وقال الأصفهاني : هما حالان متواليان إلا أن الأوّل جملة والثاني مفرد ، وهذا صواب لأن قوله : { وَلَمْ يَجْعَل } لم يكن معطوفاً على ما قبله بل الواو للحال ، فلا فصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة ، وقيل : إن { قيماً } حال من ضمير { لم يجعل له } . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً ، ثم أراد سبحانه أن يفصل ما أجمله في قوله قيماً فقال : { ليُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا } وحذف المنذر للعلم به مع قصد التعميم ، والمعنى : لينذر الكافرين ، والبأس : العذاب ، ومعنى { مِن لدُنْهُ } : صادراً من لدنه نازلاً من عنده . روى أبو بكر ، عن عاصم : أنه «قرأ من لدنه » بإشمام الدال الضمة ، وبكسر النون والهاء ، وهي لغة الكلابيين . وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضم الدال وسكون النون { وَيُبَشّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات } ، قرئ «يبشر » بالتشديد والتخفيف ، وأجرى الموصول على موصوفه المذكور ، لأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } وهو الجنة حال كونهم .

/خ8