الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (9)

قاذف امرأته إذا كان مسلماً حراً بالغاً عاقلاً ، غير محدود في القذف ، والمرأة بهذه الصفة مع العفة : صحّ اللعان بينهما ، إذا قذفها بصريح الزنى ، وهو أن يقول لها : يا زانية ، أو زنيت ، أو رأيتك تزنين . وإذا كان الزوج عبداً ، أو محدوداً في قذف ، والمرأة محصنة : حدّ كما في قذف الأجنبيات ، وما لم ترافعه إلى الإمام لم يجب اللعان . واللعان : أن يبدأ الرجل فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنى ، ويقول في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى . وتقول المرأة أربع مرات : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى ، ثم تقول في الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى . وعند الشافعي رضي الله عنه : يقام الرجل قائماً حتى يشهد والمرأة قاعدة ، وتقام المرأة والرجل قاعد حتى تشهد ، ويأمر الإمام من يضع يده على فيه ويقول له : إني أخاف إن لم تكن صادقاً أن تبوء بلعنة الله ، وقال : اللعان بمكة بين المقام والبيت ، وبالمدينة على المنبر ، وبيت المقدس في مسجده ، ولعان المشرك في الكنيسة وحيث يعظم ، وإذا لم يكن له دين ففي مساجدنا إلا في المسجد الحرام ، لقوله تعالى : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام } [ التوبة : 28 ] ثم يفرق القاضي بينهما ، ولا تقع الفرقة بينهما إلا بتفريقه عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم ، إلا عند زفر ؛ فإن الفرقة تقع باللعان . وعن عثمان البتي : لا فرقة أصلاً . وعند الشافعي رضي الله عنه تقع بلعان الزوج ، وتكون هذه الفرقة في حكم التطليقة البائنة عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما ولا يتأبد حكمها ، فإذا أكذب الرجل نفسه بعد ذلك فحدّ جاز أن يتزوجها . وعند أبي يوسف وزفر والحسن بن زياد والشافعي رضي الله عنهم : هي فرقة بغير طلاق توجب تحريماً مؤبداً ، ليس لهما أن يجتمعا بعد ذلك بوجه . وروي : أن آية القذف لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فقام عاصم بن عدي الأنصاري رضي الله عنه فقال : جعلني الله فداك ، إن وجد رجل مع امرأته رجلاً فأخبر جلد ثمانين وردّت شهادته أبداً وفسق ، وإن ضربه بالسيف قتل ، وإن سكت سكت على غيظ ، وإلى أن يجيء بأربعة شهداء فقد قضى الرجل حاجته ومضى : اللَّهم افتح . وخرج فاستقبله هلال بن أمية أو عويمر فقال : ما وراءك ؟ قال : شرّ وجدت على بطن امرأتي خولة - وهي بنت عاصم - شريكَ ابن سحماء ، فقال : هذا والله سؤالي ، ما أسرع ما ابتليت به فرجعا ، فأخبر عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم خولة فقالت : لا أدري ، ألغيرة أدركته ؟ أم بخلاً على الطعام - وكان شريك نزيلهم - وقال هلال : لقد رأيته على بطنها .

فنزلت ، ولاعن بينهما . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله وقولها : أنّ لعنةَ اللَّهِ عليهِ ، إنّ غضبَ اللَّهَ عليها : آمين ، وقال القوم : آمين ، وقالَ لهَا : " إنْ كنتِ ألممْتِ بِذَنْبٍ فاعترفِي بِهِ ، فالرجمُ أَهونُ عليك مِنْ غضبِ اللَّهِ ، إن غضبَه هوَ النارُ . وقال : تحينُوا بها الولادةُ فإن جاءَتْ به أصيهبَ أثيبجَ يضربُ إلى السوادِ فهو لشريكٍ ، وإنْ جاءَتْ بِهِ أَورقَ جعداً جمالياً خدلجَ الساقَيْنِ فهو لغيرِ الذي رميت بهِ " قال ابن عباس رضي الله عنهما : فجاءت بأشبهِ خلقِ اللَّهِ لشريكِ . فقال صلى الله عليه وسلم : " لَولاَ الأيمانُ لكان لِي ولها شأن " وقرىء : «ولم تكن » بالتاء ؛ لأنّ الشهداء جماعة ، أو لأنهم في معنى الأنفس التي هي بدل . ووجه من قرأ أربع أن ينتصب ؛ لأنه في حكم المصدر والعامل فيه المصدر الذي هو { فشهادة أَحَدِهِمْ } وهي مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : فواجب شهادة أحدهم أربع شهادات بالله . وقرىء أن لعنة الله ، وأن غضب الله : على تخفيف أن ورفع ما بعدها . وقرىء : «أن غضب الله » على فعل الغضب . وقرىء : بنصب الخامستين ، على معنى : وتشهد الخامسة .

فإن قلت : لم خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله ؟ قلت : تغليظاً عليها ؛ لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخلابتها وإطماعها ، ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد . ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لخولة " فالرجمُ أهونُ عليكِ من غضبِ اللَّهِ " .