الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةٞ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (11)

الإفك : أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء . وقيل : هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك . وأصله : الأفك ، وهو القلب ؛ لأنه قول مأفوك عن وجهه . والمراد : ما أُفك به على عائشة رضي الله عنها . والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، وكذلك العصابة . واعصو صبوا : اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبيّ رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح ابن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم . وقرىء : «كبره » بالضم والكسر ، وهو عِظَمه . والذي تولاه عبد الله ، لإمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتهازه الفرص ، وطلبه سبيلاً إلى الغميزة .

أي يصيب كل خائض في حديث الإفك من تلك العصبة نصيبه من الإثم على مقدار خوضه . والعذاب العظيم لعبد الله ، لأنّ معظم الشرّ كان منه . يحكى أن صفوان رضي الله عنه مرّ بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه ؟ فقالوا : عائشة رضي الله عنها ، فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها . والخطاب في قوله : { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لمن ساءه ذلك من المؤمنين ، وخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعائشة ، وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم . ومعنى كونه خيراً لهم : أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم ؛ لأنه كان بلاء مبيناً ومحنة ظاهرة ، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسلية له ، وتنزيه لأم المؤمنين رضوان الله عليها ، وتطهير لأهل البيت ، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة ، وفوائد دينية ، وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها .