الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَـٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ} (26)

كبراهما : كانت تسمى صفراء ، والصغرى : صفيراء . وصفراء : هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره ، وهي التي تزوجها . وعن ابن عباس : أن شعيبا أحفظته الغيرة فقال : وما علمك بقوّته وأمانته ؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو ، وأنه صوّب رأسه حين بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه . وقولها : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ استجرت القوى الأمين } كلام حكيم جامع لا يزاد عليه ، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان ؛ أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك ؛ وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل ، والحكمة أن تقول استأجره لقوّته وأمانته .

فإن قلت : كيف جعل خير من استأجرت اسماً لإنّ والقوي الأمين خبراً ؟ قلت : هو مثل قوله :

أَلاَ إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ حَيًّا وَهَالِكَا *** أَسِيرُ ثَقِيفٍ عِنْدَهُمْ فِي السَّلاَسِلِ

في أن العناية هي سبب التقديم ، وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق بأن يكون خبراً اسماً ، وورود الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف . ومنه قولهم : أهون ما أعملت لسان ممخ . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاثة : بنت شعيب ، وصاحب يوسف ، في قوله : { عسى أَن يَنفَعَنَا } [ يوسف : 21 ] وأبو بكر في عمر . روي أنه أنكحه صفراء .