الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغۡوَيۡنَآ أَغۡوَيۡنَٰهُمۡ كَمَا غَوَيۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَآ إِلَيۡكَۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعۡبُدُونَ} (63)

{ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول } الشياطين أو أئمة الكفر ورؤوسه . ومعنى حق عليهم القول : وجب عليهم مقتضاه وثبت ، وهو قوله : { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] ، [ السجدة : 13 ] و { هَؤُلاءِ } مبتدأ ، و { الذين أَغْوَيْنَا } صفته ، والراجع إلى الموصول محذوف ، و { أغويناهم } الخبر ، والكاف صفة مصدر محذوف ، تقديره : أغويناهم ، فغووا غيا مثل ما غوينا ، يعنون : أنا لم نغو إلا باختيارنا ، لا أن فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء . أو دعونا إلى الغيّ وسوّلوه لنا ، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم ؛ لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً لا قسراً وإلجاء ، فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم . وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر ، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل ، وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر ، وناهيك بذلك صارفاً عن الكفر وداعياً إلى الإيمان ، وهذا معنى ما حكاه الله عن الشيطان { إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى فَلاَ تلوموني ولوموا أنفسكم } [ إبراهيم : 22 ] والله تعالى قدّم هذا المعنى أوّل شيء ، حيث قال لإبليس { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين } [ الحجر : 42 ] . { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ } منهم وما اختاروه من الكفر بأنفسهم ، هوى منهم للباطل ومقتاً للحق ، لا بقوّة منا على استكراههم ولا سلطان { مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم . وإخلاء الجملتين من العاطف ، لكونهما مقرّرتين لمعنى الجملة الأولى .