الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

الخيرة من التخير ، كالطيرة من التطير : تستعمل بمعنى المصدر هو التخير ، وبمعنى المتخير كقولهم : محمد خيرة الله من خلقه { مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة } بيان لقوله : { وَيَخْتَارُ } لأنّ معناه : ويختار ما يشاء ، ولهذا لم يدخل العاطف . والمعنى : أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله ، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه . قيل : السبب فيه قول الوليد بن المغيرة : { لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني : لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم . وقيل : معناه ويختار الذي لهم فيه الخيرة ، أي : يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح ، وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم ، من قولهم في الأمرين : ليس فيهما خيرة لمختار .

فإن قلت : فأين الراجع من الصلة إلى الموصول إذا جعلت ما موصولة ؟ قلت : أصل الكلام : ما كان لهم فيه الخيرة ، فحذف «فيه » كما حذف ، منه في قوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامور } [ الشورى : 43 ] لأنه مفهوم { سبحان الله } أي الله بريء من إشراكهم ومايحملهم عليه من الجراءة على الله واختيارهم عليه ما لا يختار .