تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغۡوَيۡنَآ أَغۡوَيۡنَٰهُمۡ كَمَا غَوَيۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَآ إِلَيۡكَۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعۡبُدُونَ} (63)

[ الآية 63 ] وقوله تعالى : { قال الذين حق عليهم القول } يحتمل قوله : { حق عليهم القول } القول الذي قال : { لأملأن جهنم منكم أجمعين } [ الأعراف : 18 ] .

وجائز أن يكون قوله : { حق عليهم القول } أي وجب عليهم العذاب كقوله : { وإذا وقع القول عليهم } [ النمل : 82 ] أي وجب عليهم وكقوله : { ووقع القول عليهم بما ظلموا } [ النمل : 85 ] أي وجب العذاب عليهم بما ظلموا ، ونحوه .

ثم اختلف في الذين حق عليهم القول : فمنهم من يقول : هم رؤساء الكفرة وأئمتهم الذين أضلوا أتباعهم ، ودعوهم إلى الضلال . ومنهم من يقول : هم شياطين الجن . وللفريقين جميعا في الكتاب ذكر :

قال في أئمتهم : { إذ تبرأ الذين من الذين اتبعوا } [ البقرة : 166 ] وقال : { قال أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا } [ الأعراف : 38 ] وأمثال هذا كثير .

وقال في شياطين الجن : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقبض له شيطانا فهو له قرين } [ الزخرف : 36 ] وقال : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } الآية [ الصافات : 22 ] ونحوه كثير أيضا .

وقوله تعالى : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } يعتذرون : أنه لم يكن منا إليهم إلا الدعاء والإشارة إلى الغواية ، وهو قول إبليس اللعين وخطبته يومئذ حين{[15472]} قال : { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق } الآية [ إبراهيم : 22 ] .

فعلى ذلك هؤلاء يقولون : لم يكن منا عليهم سوى الدعاء بلا برهان ولا حجة ، فاتبعونا ، فلا تلومونا ، ولوموا أنفسكم حين{[15473]} تركتم إجابة الرسل ، ومعهم براهين وحجج ، وأجبتمونا بلا حجة ولا برهان ، فأغويناكم كما غوينا ، ولو كنا على الهدى لهديناكم ، كقولهم : { لو هدانا الله لهديناكم } [ إبراهيم : 21 ] .

وقوله تعالى : { تبرأنا إليك ما كانا إيانا يعبدون } يتبرؤون : أنا لم نأمرهم بالعبادة لنا ، وإلا كانوا عبدونا{[15474]} .

ثم إن للمعتزلة أدنى تعلق بهذه الآية لأنهم يقولون : إنما أضافوا الغواية إلى أنفسهم حين{[15475]} قالوا : { أغوينا أغويناهم كما غوينا } دل أن الله لا يغوي أبدا .

فيقال لهم : إنا لا نضيف ، ولا نجيز إضافة الغواية إلى الله في ما يخرج مخرج الذم ، وإنما نضيف في ما يخرج مخرج المدح له والثناء عليهم .

ثم قد أضاف إبليس الغواية إليه ، ولم ينكر عليه حين{[15476]} قال : { رب بما أغويتني } [ الأعراف : 16 والحجر : 39 ] في غير موضع ، وقال : { تضل بها من تشاء } [ الأعراف : 155 ] ونحوه كثير في القرآن . فما خرج مخرج المدح له والثناء عليه يضاف إليه ، وما خرج مخرج الذم فلا . وقد ذكرنا هذا في غير موضع ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { حق عليهم القول } يوم قال لإبليس : { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } [ ص : 85 ] . ثم قالت الشياطين في الآخرة : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا } يعنون كفار بني آدم ؛ هؤلاء الذين أضللناهم هن الهدى كما ضللنا { تبرأنا إليك } منهم يا رب { ما كانوا إيانا يعبدون } تبرأت الشياطين ممن كان يعبدها فقالوا : لم نأمرهم بعبادتنا .


[15472]:- في الأصل وم: حيث.
[15473]:- في الأصل وم: حيث.
[15474]:- في الأصل وم: عبدوهم.
[15475]:- في الأصل وم: حيث.
[15476]:- في الأصل وم: حيث.