البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغۡوَيۡنَآ أَغۡوَيۡنَٰهُمۡ كَمَا غَوَيۡنَاۖ تَبَرَّأۡنَآ إِلَيۡكَۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعۡبُدُونَ} (63)

{ قال الذين حق عليهم القول } : أي الشياطين ، وأئمة الكفر ورؤوسه ؛ وحق : أي وجب عليهم القول ، أي مقتضاه ، وهو قوله : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } و { هؤلاء } : مبتدأ ، و { الذين أغوينا } : هم صفة ، و { أغويناهم كما غوينا } : الخبر ، و { كما غوينا } : صفة لمطاوع أغويناهم ، أي فغووا كما غوينا ، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا .

وهذا الإعراب قاله الزمخشري .

وقال أبو عليّ : ولا يجوز هذا الوجه ، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ .

قال : فإن قلت : قد وصلت بقوله : { كما غوينا } ، وفيه زيادة .

قيل : الزيادة بالظرف لا تصيره أصلاً في الجملة ، لأن الظروف صلات ، وقال هو : { الذين أغوينا } هو الخبر ، و { أغويناهم } : مستأنف .

وقال غير أبي علي : لا يمتنع الوجه الأول ، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم ، كقولك : زيد عمرو قائم في داره . انتهى .

والمعنى : هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان ، كما آثرناه نحن ، ونحن كنا السبب في كفرهم ، فقبلوا منا .

وقرأ أبان ، عن عاصم وبعض الشاميين : كما غوينا ، بكسر الواو .

قال ابن خالويه : وليس ذلك مختاراً ، لأن كلام العرب : غويت من الضلالة ، وغويت من البشم .

ثم قالوا : { تبرأنا إليك } ، منهم ما كانوا يعبدوننا ، إنما عبدوا غيرنا ، و { إيانا } : مفعول { يعبدون } ، لما تقدّم الفصل ، وانفصاله لكون يعبدون فاصلة ، ولو اتصل ، ثم لم يكن فاصلة .

وقال الزمخشري : إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم ؛ وإخلاء الجملتين من العاطف ، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى . انتهى .