الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

فإن قلت : ما معنى : { أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى } ؟ قلت : أحببت : مضمن معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قيل : أنبت حب الخير عن ذكر ربي . أو جعلت حب الخير مجزياً أو مغنياً عن ذكر ربي . وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : أن «أحببت » بمعنى : لزمت من قوله :

مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إذْ أَحَبَّا . . . وليس بذاك . والخير : المال ، كقوله : { إِن تَرَكَ خَيْرًا } [ البقرة : 180 ] وقوله : { وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] والمال : الخيل التي شغلته . أو سمي الخيل خيراً كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " وقال في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم : " ما وُصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل " وسماه زيد الخير . وسأل رجل بلالاً رضي الله عنه عن قوم يستبقون : من السابق ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له الرجل : أردت الخيل . فقال : وأنا أردت الخير . والتواري بالحجاب : مجاز في غروب الشمس عن تواري الملك . أو المخبأة بحجابهما . والذي دلّ على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشي ، ولا بد للمضمر من جري ذكر أو دليل ذكر .

وقيل : الضمير للصافنات ، أي : حتى توارت بحجاب الليل يعني الظلام . ومن بدع التفاسير : أن الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه { فَطَفِقَ مَسْحاً } فجعل يمسح مسحاً ، أي : يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها ، يعني : يقطعها . يقال : مسح علاوته ، إذا ضرب عنقه ، ومسح المسفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه . وعن الحسن : كسف عراقيبها وضرب أعناقها ، أراد بالكسف : القطع ، ومنه : الكسف في ألقاب الزحاف في العروض . ومن قاله بالشين المعجمة فمصحف . وقيل : مسحها بيده استحساناً لها وإعجاباً بها .