الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

وقوله : { إِنَّا أنزلناه } جواب القسم ، والكتاب المبين للقرآن . والليلة المباركة : ليلة القدر . وقيل : ليلة النصف من شعبان ، ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصكّ ، وليلة الرحمة وقيل : بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة . وقيل في تسميتها : ليلة البراءة والصكّ : أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة ، كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة . وقيل : هي مختصة بخمس خصال : تفريق كل أمر حكيم وفضيلة العبادة فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا . وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان » ونزول الرحمة قال عليه الصلاة والسلام : « إنّ الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب » وحصول المغفرة : قال عليه الصلاة والسلام : « إنّ الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين ، أو مصرّ على الزنا » وما أعطى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام الشفاعة ، وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمّته . فأعطى الثلث منها ، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع ، إلا من شرد عن الله شراد البعير . ومن عادة الله في هذه الليلة : أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة . والقول الأكثر أنّ المراد بالليلة المباركة : ليلة القدر ، لقوله تعالى : { إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر } [ القدر : 1 ] ولمطابقة قوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( 4 ) } لقوله : { تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ( 4 ) } وقول تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن } [ البقرة : 185 ] وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان .

فإن قلت : ما معنى إنزال القرآن في هذه الليلة ؟ قلت : قالوا أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر ، وكان جبريل عليه السلام ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً نجوماً .

3