الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (3)

{ ذلك } إشارة إلى قوله : { سَآء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا ( ب ) سبب ( أنهم آمنوا ثم كفروا ) أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان ، أي : ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا { فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ } فجسروا على كل عظيمة .

فإن قلت : المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم ، فما معنى قوله : { ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } ؟ قلت : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : آمنوا ، أي : نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ، ثم كفروا : ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم : إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير ، وقولهم في غزوة تبوك : أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات . ونحوه قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم } [ التوبة : 74 ] أي : وظهر كفرهم بعد أن أسلموا . ونحوه قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم } [ التوبة : 66 ] والثاني آمنوا : أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام ، كقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ } [ البقرة : 14 ] إلى قوله تعالى : { إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤون } [ البقرة : 14 ] والثالث : أن يراد أهل الردة منهم . وقرىء : «فطبع على قلوبهم » ، وقرأ زيد بن علي : «فطبع الله » .