اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (55)

قوله تعالى : { ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض } [ يونس : 66 ] .

قيل : تعلُّق هذه الآية بما قبلها ، هو أنَّه - تعالى - لمَّا قال : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ } قال ههنا : ليس للظَّالم شيء يفتدى به ؛ فإنَّ الأشياء كلَّها ملكُ الله .

وقيل : إنَّه - تعالى - لمَّا قال : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ } ثم قال لهُ : { قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ } أتبعهُ بهذا البرهان القاطع على إثبات الإله القادر الحكيم ، وهو قوله : { ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض } [ يونس : 66 ] فدلَّ على أنَّ ما سواه فهو مِلْكُه ومُلْكُه ، ولم يذكر الدَّليل على ذلك ؛ لأنَّه قد استقصى تقريرهُ في أول السورة ، في قوله : { إِنَّ فِي اختلاف الليل والنهار } [ يونس : 6 ] الآية ، وقوله : { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً } [ يونس : 5 ] فاكتفى بذكره هناك ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان قادراً على كلِّ المُمْكناتِ ، عالماً بكلِّ المعلومات ، غنيّاً عن جميع الحاجات ، فيكون قادراً على صحَّة الميعاد ، وعلى إنزال العذاب على الكُفَّار في الدُّنيا والآخرة ، وعلى إيصال الرَّحْمَة للأولياء في الدُّنيا والآخرة ، ويكُون قادراً على تأييدِ رسوله بالدَّلائل القاطعة ، والمعجزات الباهرة ، وكان كل ما وعد به ، فهو حقٌّ لا بُدَّ وأن يقع ، وأنَّه منزَّهٌ عن الخلف في وعده ، فلمَّا أخبر عن نُزول العذاب بهؤلاء الكُفَّار ، وبحصول الحشر والنشر ، وجب القطع بوقوعه ، فثبت بهذا البيان أن قوله : { ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض } يوجب الجزم بصحَّة قوله : { أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } ثم قال : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : غافلُون عن هذه الدَّلائل ، ثُمَّ أكد هذا الدليل بقوله :