اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ} (49)

ثم قال : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب } وقد تقدَّم الكلامُ فيها عند قوله { ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب } [ آل عمران : 44 ] في آل عمران . و " تلك " في محلِّ رفع على الابتداء ، و{ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب } الخبر ، و " نُوحِيهَا إليْكَ " خبر ثان .

قوله : { مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ } يجوزُ في هذه الجملةِ أن تكون حالاً من الكاف في " إليك " وأن تكون حالاً من المفعول في " نُوحيهَا " وأن تكون خبراً بعد خبر .

والمعنى : ما كنت تعلمُها أنت يا محمدُ ولا قومك ، أي : إنَّك ما كنت تعرفُ هذه القصة وقومك أيضاً ما كانوا يعرفونها ، كقول الإنسان لآخر : لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا أهل بلدك .

فإن قيل : أليس قد كانت قصة الطوفان مشهورة عند أهل العلم ؟ .

فالجواب : أنها كانت مشهورة بحسب الإجمال ، أمَّا التَّفاصيلُ المذكورة فما كانت معلومة .

ثم قال تعالى : " فاصْبِرْ " يا محمد أنت وقومك على أولئك الكفار " إنَّ العافيةَ " آخر الأمر والنّصر والظّفر " لِلْمُتَّقين " .

فإن قيل : إنَّه ذكر هذه القصة في سورة يونس ثم أعادها ، فما فائدة هذا التكرار ؟ .

فالجوابُ : أنَّ القصة الواحدة قد ينتفعُ بها من وجوه ، ففي السورةِ الأولى كان الكفار يستعجلُون نزول العذاب ، فذكر - تعالى - قصة نوح وبيَّن أنَّ قومه كانُوا يكذبُونه بسبب أنَّ العذابَ ما كان يظهر ثُمَّ في العاقبةِ ظهر ، فكذا في واقعة محمد - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه - ، وفي هذه السورة ذكر القصة لبيان أنَّ إقدامَ الكُفَّار على الإيذاء ، والإيحاش كان حاصلاً في زمن نُوح ، فلمَّا صبر نال الفتح والظفر ، فكن ، يا مُحمَّدُ ، كذلك لتنال المقصود ، فلمَّا كان الانتفاعُ بالقصة في كُلِّ سُورة من وجهٍ لم يكن تكريرها خالياً عن الفائدةِ .