قال الله : { يا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } واعلم أنَّه لمَّا ثبت بالدليل ، أنه كان ابناً له ، وجب أن يكون المراد : ليس من أهل دينك . وقيل : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك .
قوله : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } : قرأ{[18830]} الكسائيُّ " عَمِلَط فعلاً ماضياً ، و " غيرَ " نَصْباً .
والباقون : " عَمَلٌ " بفتح الميمِ وتنوينه على أنه اسمٌ ، و " غَيْرُ " بالرَّفع .
فقراءةُ الكسائي : الضميرُ فيها يتعيَّنُ عودهُ على ابنِ نوحٍ ، وفاعل " عَمِلَ " ضميرٌ يعودُ عليه أيضاً ، و " غَيْرَ " مفعولٌ به . ويجوزُ أن يكون نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ ، تقديره : عمل عملاً غير صالح كقوله { واعملوا صَالِحاً } [ المؤمنون : 51 ] . وقيل : إنه ذو عمل باطل فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه .
وأمَّا قراءةُ الباقين ، ففي الضَّمير أربعة أوجهٍ :
أظهرها : أنَّه عائدٌ على ابن نوح ، ويكونُ في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في " رجل عدل " ، و " زيْدٌ كرمٌ وجُودٌ " .
والثاني : أنه يعودُ على النداء المفهوم من قوله : " ونَادَى " أي : نداؤك وسؤالك .
وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكيٌّ والزمخشريُّ . وهذا فيه خطرٌ عظيمٌ{[18831]} ، كيف يقال ذلك في حقِّ نبي من الأنبياءِ ، فضلاً عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض بعد آدم - عليهما الصلاة والسلام - ؟ ولمَّا حكاه الزمخشريُّ قال : " ليسَ بذاك " ولقد أصاب . واستدلَّ من قال بذلك أنَّ في حرف عبد الله بن مسعود إنَّه عملٌ غيرُ صالحٍ أن تسألني ما لَيْسَ لك به علمٌ وهذا مخالفٌ للسَّواد .
الثالث : أنَّهُ يعودُ على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله : " اركب مَعَنَا " .
الرابع : أنَّهُ يعودُ على تركه الرُّكُب ، وكونه مع المؤمنين ، أي : إنَّ تركه الركوبَ مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عملٌ غير صالح ، وعلى الأوجه لا يحتاج في الإخبار بالمصدر إلى تأويلٍ ؛ لأنَّ كليهما معنى من المعاني ، وعلى الوجه الرابع يكون من كلام نوح - عليه الصلاة والسلام - ، أي : إنَّ نوحاً قال : إنَّ كونك مع الكافرين وتركك الركوبَ معنا عمل غيرُ صالح ، بخلاف ما تقدَّم فإنَّه من قول الله تعالى فقط ، هكذا قال مكيٌّ وفيه نظرٌ ، بل الظَّاهرُ أنَّ الكلَّ من كلام الله تعالى .
وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : هلاَّ قيل : إنَّه عملٌ فاسدٌ . قلت : لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بلفظ النفي التي يستبقى معها لفظ المنفي ، وآذن بذلك أنَّه إنَّما أنْجَى من أنْجَى لصلاحهم لا لأنَّهم أهلك .
قوله : { فَلاَ تَسْأَلْنِي } قرأ نافع وابن عامرٍ " فلا تَسْألنِّ " بتشديدِ النون مكسورة من غير ياء . وابن كثير بتشديدها مع الفتح ، وأبو عمرو والكوفيون بنونٍ مكسورةٍ خفيفة ، وياءٍ وصلاً لأبي عمرو ، ودون ياء في الحالين للكوفيين{[18832]} . وفي الكهف { فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ } [ الكهف : 70 ] قرأه أبو عمرو والكوفيون كقراءتهم هنا ، وافقهم ابنُ كثير في الكهف ، وأما نافعٌ وابنُ عامر فكقراءتهما هنا ولابن ذكوان خلافٌ في ثبوتِ الياءِ وحذفها ، وإنَّما قرأ ابن كثير التي في هود بالفتح دون التي في الكهفِ ؛ لأنَّ الياء في هود ساقطة في الرسم ؛ فكانت قراءته بفتح النون محتملةً بخلاف الكهف فإنَّ الياء ثابتةٌ في الرَّسْمِ ، فلا يوافق فيها فتحها . وقد تقدَّم خلافُ ابن ذكوان في ثبوت الياء في الكهفِ .
فمن خفَّف النون ، فهي نونُ الوقاية وحدها ، ومن شدَّدها فهي نون التوكيد .
وابنُ كثير لم يجعل في هود الفعل متصلاً بياء المُتكلم ، والباقون جعلوه . فلزمهم الكسرُ . وقد تقدَّم أنَّ " سَأَلَ " يتعدَّى لاثنين أوَّلهما ياء المتكلم ، والثاني { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } .
قوله : " أن تكون " على حذف حرف الجر ، أي : مِنْ أن تكون أو لأجْلِ أن ، وقوله : { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } يجوزُ في " بِهِ " أن يتعلَّق ب " عِلْم " .
قال الفارسيُّ : ويكون مثل قوله : [ الرجز ]
كَانَ جَزائِي بالعَصَا أنْ أجْلَدَا{[18833]} *** . . .
ويجوز أن يتعلَّق بالاستقرار الذي تعلَّق به " لَكَ " ، والباء بمعنى " في " ، أي ما ليس لك به علمٌ . وفيه نظرٌ .
ثم قال : { إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين } يعني أن تدعو بهلاك الكفار ، ثم تسأل نجاة كافر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.