اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَيۡهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبۡلُ فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (64)

قوله : { إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ } منصوبٌ على نعتِ مصدرٍ حذوفٍ ، أو على الحال منه إي : إلاَّ أئتماناً كائتمانه لكم على أخيه ، شبه ائتمانه لهم على هذه بائتمانه لهم على ذلك ، و " مِن قَبْلُ " متعلق ب " أمِنْتُكمْ " .

قال : { فالله خَيْرٌ حَافِظاً } ، قرأ الأخوان ، وحفص " حَافِظاً " وفيه وجهان :

أظهرهما : أنه تمييزٌ ؛ كقوله : هو خيْرهُمْ رجُلاً ، واللهِ دَرُّهُ فَارِساً .

قال أبُو البقاءِ : " ومثلُ هذا يجُوزُ إضافته " وقد قرأ بذلك الأعمشُ : فاللهُ خيرُ حافظٍ " والله تعالى متَّصفٌ بأن حفظهُ يزيدُ على حفظِ غيره ؛ كقولك : هُوَ أفضلُ عالمٍ

والثاني : أنه حالٌ ذَكَر ذلك الزمخشريُّ وأبُوا البقاءِ ، وغيرهما .

قال أبو حيَّان : وقد نقله عن الزمخشري وحده : " وليس بجيِّدٍ ؛ لأنَّ فيه تقييدَ { خير } بهذه الحال " .

قال شهابُ الدِّين : " ولا محذُور ، فإنَّ هذه الحال لازمةٌ ؛ لأنَّها مؤكدةٌ لا مبينةٌ وليس هذا بأول حال وردتْ لازمةً " .

وقرأ الباقون " حِفْظاً " ولم يجيزُوا فيها غير التَّمييزِ ؛ لأنَّهم لو جعلوها حالاً ، لكانت من صفة ما يصدقُ عليه " خَيْرٌ " ولا يصدقُ ذلك على ما يصدق عليه " خَيْرٌ " ؛ لأن الحفظ معنى من المعاني .

ومن يتأولُ : " زَيْدٌ عَدْلٌ " على المبالغةِ أو على حذفِ مضافٍ ، أو على وقوع المصدر موقع الوصفِ يجيزُ في " حِفْظاً " أيضاً الحاليَّة بالتأويلاتِ المذكورة ، وفيه تعسُّفٌ .

وقرأ أبو هريرة : " خَيْر الحَافظينَ " ، وأرْحَمُ الرَّاحِمينَ " قيل : معناهُ : وثِقْتُ بكم في حفظِ يوسف ، فكان ما كان ، والآن أتوكَّلُ على الله في حفظ بِنيَامِينَ .

فإن قيل : لِمَ بعثه معهم وقد شاهد ما شاهد ؟ .

فالجوابُ من وجوهٍ :

الأول : أنهم كبروا ، ومالُوا إلى الخبرِ والصَّلاحِ .

والثاني : أنه كان يشَاهِدُ أنَّه ليس بينهم و بين بنيامين من الحسدِ ، والحقدِ مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام .

والثالث : أن ضرورة القَحْطِ أحوجتُه إلى ذلك .

الرابع : لعلَّه تعالى أوحى إليه وضمن له حفظه ، وإيصاله إليه ، فإن قيل : هل يدلُّ قوله : { فالله خَيْرٌ حَافِظاً } على أنَّه أذن في ذهاب بنياميَنَ في ذلك الوقت .

فقال الأكثرون : يدلُّ عليه . وقال آخرون : لا يدل عليه ، وفيه وجهان :

الأول : أنَّ التقدير : أنَّه لو أذن في خُروجهِ معهم ، لكان في حفظِ اللهِ تعالى لا في حفظهم .

الثاني : لما ذكر يُوسف صلوات الله وسلامه عليه قال : { فالله خَيْرٌ حَافِظاً } أي ليُوسُفَ ؛ لأنه كان يعلم أنه حيٍّ .