اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأۡخُذَ إِلَّا مَن وَجَدۡنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ} (79)

فقال يوسف : { مَعَاذَ الله } أي أعوذ بالله معاذاً { أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } أي أعوذُ باللهِ أن نأخذ بريئاً بمذنب .

قال الزجاج : " موضع " إنْ " نصب ، والمعنى : أعوذُ باللهِ من أخذِ أحدٍ بغيره ، فلمَّا سقطت كلمة : " مَنْ " تعدَّى الفعل " .

وقوله : { إِنَّآ إِذاً } حرف جواب وجزاء ، تقدَّم الكلام [ النساء : 67 البقرة : 14 ] على أحكامها .

والمعنى : لقد تعدّيت ، وظلمت ، إن إخذت بريئاً بجُرمٍ صدر من غيره ، فقال : { مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } ولم يقل : " مَنْ سَرَقَ " تحرُّزاً من الكذب .

فإن قيل : هذه الواقعةُ من أوَّلها إلى آخرها ، تزوير وكذب ، فكيف يجوز ليوسف مع رسالته الإقدام على التَّزوير ، وإيذاء النَّاس من غير ذنب لا سيَّما ويعلم أنَّهُ إذا حبس أخاه عنده بهذه التُّهمةِ فإنه يعظمُ حزنُ إبيه ، ويشتدُّ غمُّه ، فكيف يليقُ بالرسول المعصوم المباغلة في التَّزويرِ إلى هذا الحدّ ؟ ! .

فالجواب : لعلَّه تعالى أمره بذلك تشديداً للمحنة على يعقوب ، ونهاه عن العفوِ والصَّفح ، وأخذ البدل ، كما أمر تعالى صاحب موسى عليه الصلاة والسلام بقتل من لو بَقِي لَطَغَى وكفَر .