قوله : { فَلَمَّا استيأسوا } " اسْتَفْعَلَ " هنا بمعنى " فَعِلَ " المجرَّد يقال : يَئِسَ ، واسْتَيْأس [ بمعنى ] نحو " عَجِبَ واسْتَعْجَبَ ، وسَخِرَ ، واسْتَخَرَ .
وقال الزمخشري : وزيادة التَّاء والسِّين في المبالغة نحو ما مرَّ في : " اسْتَعْصَمَ " وقرأ البزيُّ عن ابن كثير بخلاف عنه : " اسْتَأيَسُوا " بألف بعد التاء ثم ياء وكذلك في هذه السورة : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله } [ يوسف : 87 ] إنَّه لا يَيْأسُ { حتى إِذَا استيأس الرسل } [ يوسف : 110 ] ، وفي الرعد : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ } [ الرعد : 31 ] الخلاف واحد .
فأمَّا قرأءة العامة : فهي الأصل ، إذ يقال : يَئِسَ ، فالفاء ياء ، والعين همزة وفيه [ لغة ] أخرى ، وهي القلبُ [ الرعد : 31 ] بتقديم العين على الفاءِ ، فيقال : أيِسَ ، ويدلُّ على ذلك شيئان :
أحدهما : المصدر الذي هو اليأسُ .
والثاني : أنَّه لو لم يكن مقلوباً للزم قلبُ الياءِ ألفاً ، لتحركها ، وانفتاح ماقبلها ، ولكن منع من ذلك كون الياءِ في موضع لا تعلُّ فيه ما وقعت موقعه ، وقراءة ابن كثير من هذا ، ولما قلب الكلمة أبدل من الهمزة ألفاً لسكونها بعد فتحة ، إذ صارت كهمزة رأس ، وكأس ، وإن لم يكن من أصله قلب الهمزة السَّاكنة حتىعلَّةِ وهذا كما تقدَّم أنه يقرأ " القرآن " بالألف ، وأنَّه يحتملُ أن يكون نقل حركة الهمزة ، وإن لم يكن من أصله النقل .
قال أبو شامة بعد أن ذكر هذه الكلمات الخمسِ الَّتي وقع فيها الخلافُ " وكذلك رسمت في المصحف ، يعني كما قرأها البزيُّ يعنى بالألف مكان الياءِ ، وبياء مكان الهمزة " .
وقال أبو عبدالله : واختلفت هذه الكلمات في الرَّسم ، فرسم : " يَأيَس " ، " ولا تَأيسُوا " بألف ، ورسم الباقي بغير ألف .
قال شهابُ الدين : " وهذا هو الصَّوابُ ، وكأنَّه غفلة من أبي شامة " .
ومعنى الآية : " فلمَّا أيسُوا من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوا " .
وقال أبو عبيدة : " اسْتَيْأسُوا " : استيقنوا أنَّ الأخ لا يرد إليهم .
قوله : { خَلَصُواْ نَجِيّاً } قال الواحديُّ : يقال : خلص الشَّيء يخلصُ خلوصاً إذا انفصل من غيره ، ثم فيه وجهان :
أحدهما : قال الزجاج ، خلصوا : أي : انفردوا ، وليس معهم أخوهم .
وقال الباقون : تميزوا عن الأجانب ، وهذا هو الأظهر ، أي : خلا بعضهم ببعضٍ يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم .
وأمَّا قوله : " نَجِيًّا " حال من فاعل : " خَلصُوا " أي : اعتزلوا في هذه الحالِ وإنَّما أفردت الحال ، وصاحبها جمع ، إمَّا لأن النَّجيَّ فعيلٌ بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المُخالِط والمُعاشِر ، كقوله { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] أي : مناجياً وهذا في الاستعمال يفرد مطلقاً ، يقال : هُم خَليطُكَ وعَشِيرتُك ، أي : مخالطوك ومعاشروك وإما لأنَّه صفة على فعيل بمنزلة صَدِيق ، وبابه يوحد ، لأنه يزنة المصارد كالصَّهيل ، والوجيب والذَّميل ، وإمَّا لأنه مصدرٌ بمعنى التَّناجي كما قيل : النَّجْوى بمعناه ، قال تعالى :
{ وَإِذْ هُمْ نجوى } [ الإسراء : 47 ] ، وحينئذ يكون فيه التأويلات المذكورات في : " رجُلٌ عدلٌ " وبابه ، ويحمع على " أنْجِيَة " ، وكان من حقِّه إذا جعل وصفاً أن يجمع على " أفْعِلاء " ، ك " غَنِيّ " ، وأغْنِيَاء " و " شَقِيّ ، وأشْقِيَاء " ؛ ومن مجيئه على " أنجِيَة " قول الشاعر : [ الرجز ]
3131 إنِّي إذَا ما القَوْمُ كَانُوا أنْجِيَهْ *** واضْطَرَبَ القَوْمُ اضطِرابَ الأرْشِيَهْ
هناك أوصيني ولا تُوصِي بِيَهْ *** وقول لبيد : [ الكامل ]
3132 وشَهِدْتُ أنْجِيةً الأفَاقةِ عَالِياً *** كَعبي وَأرْدَافُ المُلوكِ شُهُودُ
وجمعه كذلك يقوي كونه جامداً ، إذ يصيرُ كرغيب ، وأرغِفَة .
وقال البغويُّ : النَّجِي يصلحُ للجماعة ، كما قال ههنا ، وللواحد كما قال : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] وإنما جاز للواحد والجمع ؛ لأنه مصدر جعل نعتاً كالعدل ، ومثله النَّجوى يكونُ اسماً ، ومصدراً ، قال تعالى { وَإِذْ هُمْ نجوى } [ الإسراء : 47 ] أي : مُتنَاجِين ، وقال حل ذكره { مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ } [ المجادلة : 7 ] وقال في المصدر { إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان } [ المجادلة : 10 ] .
قال ابن الخطيب : " وأحسنُ الوجوه أن يقال : إنَّهم تمحَّضُوا تناجياً ؛ وأنَّ من كمل حصول أمرٍ من الأمُورِ فيه وصف بأنَّه صار غير ذلك الشَّيء فلما أخذوا في التَّناجي على غاية الجدِّ ؛ صاروا كأنهم في أنفسهم صاروا نفس التَّناجِي في الحقيقة " .
" قالَ كَبيرُهمْ " في العقل ، والعلم لا في السنِّ ، وهو " يَهُوذَا " ، قاله ابن عباسٍ ، والكلبي .
وقال مجاهدٌ : شمعون ، وكانت له الرِّئاسةُ على إخوته .
وقال قتادة ، والسديُّ ، والضحاك : وهو روبيلُ ، كان أكبرهم في السنِّ ، وهو الذي نهاهم عن قتل يوسف عليه السلام .
{ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً } : عهداً : { مِّنَ الله } ، وأيضاً : نحنُ متَّهمُونَ بواقعة يوسف .
قوله { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ } في هذه الآية وجوه ستة :
أظهرها : أنَّ " مَا " مزيدة فيتعلَّق الظَّرف بالعفل بعدها ، والتقدير : ومن قبل هذا فرَّطتم ، أي : قصَّرتم في حقِّ يوسف ، وشأنه ، وزيادة " مَا " كثيرة ، وبه بدأ الزمخشري وغيره .
الثاني : أن تكون " مَا " مصدرية في محلِّ رفع بالابتداء ، والخبر الظَّرف المتقدم قال الزمخشريُّ : على أنَّ محل المصدر الرَّفع بالابتداء ، والخبر الظرف وهو " مِنْ قَبْلُ " ، والمعنى : وقع من قبل تفريطكم في يوسف عليه الصلاة والسلام وإلى هذا نحا ابنُ عطيَّة أيضاً فإنَّه قال : ولا يجوز أن يكون قوله : " مِنْ قَبْلُ " متعلقاً ب : " مَا فَرَّطْتُمْ " ، وأنَّ " مَا " تكون على هذا مصدرية ، والتقدير : ومن قَبْلِ تفريطكم في يوسف واقعٌ ، أو مستقرٌ وبهذا المقدر يتعلق قوله : " مِنْ قَبْلُ " .
قال أبو حيَّان : هذا وقول الزمخشريُّ راجعان إلى معنى واحد ، وهو أن " مَا فرَّطتُمْ " يقدَّرُ بمصدرٍ مرفوع بالابتداء ، و : " مِنْ قَبْلُ " في موضع الخبر وذهلا عن قاعدة عربيَّة ، وحقَّ لهما أن يذهلا وهي أنَّ هذه الظروف التي هي غايات إذا بُنيت لا تقع أخباراً للمبتدأ جرَّت ، أو لم تجرَّ ، تقول : يومُ السَّبت مُباركٌ والسَّفر بعدهُ ، ولا تقول : والسَّفر بَعد و " عَمْرٌو وزيْدٌ خَلفهُ " ولا يجوز : عمرٌو وزيدٌ خلف ، وعلى ما ذكراه يكون : " تَفْريطُكُم " مبتدأ ، و " مِنْ قَبْلُ " خبر وهو مبنيُّ وذلك لا يجوز ، وهو مقررٌ في علم العربيِّة " .
قال شهابُ الدِّين : " قوله : " وحُقًّ لهُمَا أنْ يَذْهَلا " تحامل على هذين الرجلين ، وموضعهما من العلم معروفٌ ، وأمَّا قوله : " إنَّ الظرف المقطوع لا يقعُ خبراً " ، فمسلَّم ، قالوا : لأنَّه لا يفيد ، وما لا يفيد ، لا يقع خبراً ، ولذا لا يقع صفة ، ولا صلة ، ولا حالاً والآية الكريمةُ من هذا القبيل لو قلت : " جاء الذي قبل " أو " مررت برجل قبل " لم يجز لما ذكرت .
ولقائلٍ أن يقول : إنَّما امتنع ذلك ؛ لعدم الفائدة ، وعدم الفائدة لعدم العلم بالمضافِ إليه المحذوف ، فينبغي إذا كان المضاف إليه معلوماً مدلولاً عليه أن يقع ذلك الظَّرف المضاف إلى ذلك المحذوف خبراً ، وصفة ، وصلة ، وحالاً والآية الكريمة من هذا القبيل ، أعني ممَّا علم فيه المضاف إليه كما مرَّ تقريره " .
ثمَّ هذا الرَّد الذي ردّ به أبو حيَّان سبقه إليه أبو البقاءِ ، فقال : " وهذا ضعيف ؛ لأن " قَبْل " إذا وقعت خبراً أو صلة لا تقطع عن الإضافة لئلا تبقى ناقصة " .
الثالث : أنها مصدرية أيضاً ، في محل رفع بالابتداء ، والخبر هو قوله " فِي يُوسفَ " أي : وتفريطكم كائن ، أو مستقر في يوسف ، وإلى هذا ذهب الفارسي كأنه استشعر أن الظرف المقطوع لا يقعُ خبراً ؛ فعدل إلى هذا ، وفيه نظر ؛ لأنَّ السِّياق ، والمعنى يجريان إلى تعلق : " فِي يُوسفَ " ب " فَرَّطْتُمْ " ، فالقولُ بما قاله الفارسي يؤدِّي إلى تهيئة العامل [ للعمل ] ، وقطعه عنه .
الرابع : أنَّها مصدرية أيضاً ، ولكن محلها النَّصب على أنَّها منسوقة على " إنَّ أباكُمْ قد أخَذَ " أي : ألم تعلموا أخذ أبيكم الميثاق ، وتفريطكم في يوسف .
قال الزمخشري : " كأنه قيل : ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً ، وتفريطكم من قبل في يوسف " وإلى هذا ذهب ابن عطية أيضاً .
قال أبو حيَّان : " وهذا الذي ذهبا إليه ليس بجيِّد ؛ لأنَّ فيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف الذي هو حرفٍ واحدٍ ، وبين المعطوف ؛ فصار نظير : ضَربْتُ زيداً ، وبِسَيفٍ عمراً ، وقد زعم الفارسيُّ أنه لا يجوز ذلك إلاَّ في ضرورة الشِّعر " .
قال شهابُ الدِّين : هذا الرَّدُّ سبقه إليه أبُو البقاءِ ، ولم يرتضه وقال : " وقيل : هو ضعيفٌ ؛ لأنَّ فيه الفصل بين حرفِ العطفِ ، والمعطوفِ ، وقد بينا في سورة النِّساء أن هذا ليس بشيء " .
قال شهاب الدين : " يعني أنَّ منع الفصل بين حرفِ العطفِ ، والمعطوفِ ليس بشيءِ ، وقد تقدَّم إيضاحُ هذا ، وتقريره في سورة النساء ، كما أشار إليه أبو البقاء " .
ثمَّ قال أبو حيَّان : " وأمَّا تقديرُ الزمخشري : وتفريطكم من قبل في يوسف ؛ فلا يجوز ؛ لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل لحرف مصدري ، والفعل عليه ، وهو لا يجوز " .
وقال شهابُ الدِّين : " ليس في تقدير الزمخشريِّ شيء من ذلك ؛ لأنَّه لمَّا صرح بالمقدر أخَّر الجارين ، والمجرورين عن لفظ المصدر المقدَّر كما ترى ، وكذا هو في سائر النسخ ، وكذا ما نقله عنه الشيخ بخطهِ ، فأين تقديمُ المعمولِ على المصدر ولو رد عليه ، وعلى ابن عطيَّة بأنه يلزمُ من ذلك تقديمُ معمولِ الصِّلةِ على الموصول لكان ردًّا واضحاً ، فإنَّ : " مِنْ قَبْلُ " متعلق " فَرَّطْتُمْ " ، وقد تقدَّم الكلامُ على ما المصدرية ، وفيه خلافٌ مشهورٌ " .
الخامس : أن تكون مصدرية أيضاً ، ومحلها النصب عطفاً على اسم : " أنَّ " أي : ألم تعلموا أنَّ أباكم ، وأن تفريطكم من قبل في يوسف ، وحينئذٍ يكون في خبر " أنَّ هذه المقدرة وجهان :
أحدهما : هو : " مِنْ قَبْلُ " .
والثاني : هو " فِي يُوسَفُ " واختاره أبو البقاء ، وقد تقدَّم ما في كلِّ منهما ، ويردُّ على هذا الوجه الخامس ما ردَّ به على ما قبله من الفصل بين حرف العطف ، والمعطوف ، وقد عرف ما فيه .
السادس : أن تكون موصولة اسمية ، ومحلُّها الرفع ، والنَّصب علكى ما تقدَّم في المصدريَّة .
قال الزمخشريُّ : يعنى ومن قبل هذا ما فرطتموه ، أي : قدَّمتموهُ في حقِّ يوسف من الجنايةِ ، ومحلُّها الرَّفع ، أو النَّصب على الوجهين .
يعنى بالوجهين رفعها بالابتداء ، وخبرها " مِنْ قبل " ، ونصبها على مفعولِ " ألمْ تَعْلمُوا " ، فإنَّهُ لم يذكر في المصدرية غيرهما ، وقد تقدَّم ما اعترض به عليهما ، وما قيل في جوابه .
الزيادة ، وكونها مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وأن في محلها وجهين : الرفع ، أو النصب .
قوله تعالى : { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض } برح هنا تامة ، ضمنت معنى أفارقُ ف : " الأرْضَ " معفول به ، ولا يجوز أن تكون تامَّة من غير تضمين ؛ لأنها إذا كانت كذلك ؛ كان معناها : ظهر أو ذهب ، ومنه : بَرحَ الخفاءُ ، أي : ظهر ، أو ذهب ، ومعنى الظهور لا يليق ، والذهابُ لا يصلُ إلى الظَّرف المخصوص إلاَّ بواسطةِ " في " : تقول : " ذَهَبْتُ في الأرضِ " ولا يجوز ذهبتُ الأرْضَ ، وقد جاء شيءٌ لا يقاس عليه .
وقال ابو البقاء : " ويجوز أن يكون ظرفاً " .
قال شهابُ الدِّين : " يحتمل أن يكون سقط من النُّسخِ لفظ " لاَ " ، كان : " ولا يجوز أن يكون ظرفاً " .
واعلم أنه لا يجوز في " أبْرَحَ " هنا أن تكون ناقصة ؛ لأنَّه لا ينتظم من الضمير الذي فيها ، وما " من الأرض " مبتدأ أو خبرٌ ، ألا ترى أنَّك لو قلت : أنَا الأرض لم يجز من غير " فِي " بخلاف " أنَا في الأرْضِ وزيدٌ في الأرْضِ " .
قوله : { أَوْ يَحْكُمَ الله } في نصبه وجهان :
أظهرهما : عطفه على : " يَأذَنَ " .
والثاني : أنه منصوبٌ بإضمار " أنْ " في جواب النَّفي ، وهو قوله : { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض } أي : لنْ أبْرحَ الأرْضَ إلاَّ أن يحكم ، كقولهم : لالزَمنَّكَ أوْ تَقْضِيَنِي حقِّي ، أي : إلا أن تَقْضِيَنِي .
قال أبو حيَّان : " ومَعْنَاهُ ومعنى الغية مُتقَارِبَان " .
قال شهابُ الدِّين : " وليْسَ المعنى على الثَّاني ، بل سِياقُ المعنى على عطفه على " بَأذَنَ " فإنه غيًّا الأمر بغايتين : أحداهما خاصة ، وهي إذْنُ أبيه والثانية عامة ؛ لأنَّ إذن أبيه له في الانصراف هو من حكم الله عزَّ وجلَّ " .
اعلم أنَّهم لما أيسوا من تخليصه ، وتناجوا فميا بينهم ، قال كبيرهم : { أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً } أي : عهداً { مِّنَ الله وَمِن قَبْلُ } هذا فرَّطتم في شأن يوسف ، ولم تحفظوا عهد أبيكم ، { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض } التي أنا بها ، وهي أرض مصر ، فلن أفارق أرض مصر { حتى يَأْذَنَ لي أبيا } في الانصراف إليه والخروج مهنا { أَوْ يَحْكُمَ الله لِي } بالخروج منها بردّ أخي إليّ ، أو خروجي ، وترك أخي ، أو بالانتصاف ممَّن أخذ أخي .
وقيل : أو يحكم الله لي بالسَّيف وأقاتلهم واسترد أخي { وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين } ؛ لأنه لا يحكم إلا بالعدل ، والحق ، فحينئذ تفكَّروا في الأصوب ماهو ؟ فظهر لهم أنَّ الأصوب هو الرُّجوع ، وأن يذكروا لأبيهم كيفية الواقعة ، فقال الأخ المحتبس بمصر لإخوته :