اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٔينَ} (91)

قوله : { تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا } أي تفضَّل عليك ، والإيثارُ : التفضيل بأنواع جميع العطايا ، آثرهُ يُؤثِرهُ إيثَاراً ، وأصله من الأثر ، وهو تتبع الشيء ، فكأنه يَسْتقْصٍي جميع أنواع المَكارمِ ، وفي الحديث : " سَتكُون بعدي أثرةٌ " أي : يستأثر بعضكم على بعض ، ويقال : اسْتأثَر بكذا ، أي : اختص به ، واستأثر اللهُ بفلان ، كناية عن اصطفائه له .

وقال الشاعر : [ الرجز ]

3149 واللهُ اسْماكَ سُماً مُبَاركَا *** آثَركَ الله بِهِ إيثَاركَا

قال الأصمعيُّ : يقالُ : آثَرَكَ الله إيثاراً ، أي : فضَّلك ، والمعنى : لقد فضلك الله علينا بالعلمِ ، والعملِِ ، والحسنِ ، والملكِ .

فصل

احتجَّ بعضهم بهذه الآية على أنَّ إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ؛ لأنَّ جميع المناصب المغايرة لمنصب النبوة كالعدم بالنِّسبة لمنصب النُّبوة لما قالوا : { تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا } ، وعلى هذا يذهب سؤال من يقول : آثره عليهم بالملك ، وإن شاركوه في النبوة ؛ لأنَّا بيَّنا أنَّ سائر المناصب لا تعتبر في جنب منصب النُّبوًَّة .

ثم قالوا : { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } والخَاطِىءُ : هو الذي أتى بالخطيئة عمداً وهذا هو الفرقُ بين الخَاطىءِ ، ولهذا يقالُ للمُجْتهدِ الذي لمْ يُصِبْ أنَّهُ مخطىءٌ ، ولا يقال : إنه خاطىءٌ .

فصل

أكثر المفسرين على أن الذي اعتذروا منه هو إقدامهم على إلقائه في الجُبِّ وبيعه وتبعيده عن أبيه .

وقال أبو عليّ الجبائيٌّ : لم يعتذروا من ذلك ؛ لأنَّ ذلك كان منهم قبل البلوغ ، فلا يكون ذنباً ، فلا يعتذر منه ، وإنَّما اعتذروا من حيثُ إنهم أخطئوا بعد ذلك بأن لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه ليعلم أنَّه حي ، وأنَّ الذِّئب لم يأكله .

وأجاب ابنُ الخطيب عن ذلك : " بأنَّه لا يجوز أن يقال : إنهم أقدموا على ذلك الفعل في زمن الصِّبا ؛ لأنه من البعيد في [ مثل ] يعقوب جمعاً غير بالغين من غير أن يبعث معهم رجلاً عاقلاً يمنعهم عمَّا لا ينبغي ، ويحملهم على ما ينبغي " .