اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (96)

{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير } وهو المبِّر ، في موضع : " أنْ " قولان :

أحدهما : لا محلَّ لها من الإعراب ، فقد تذكَّر تارة كما هنا ، وقد تحذف كقوله : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع } [ هود : 74 ] .

والثاني : قال البصريُّون : هي في موضع رفعٍ بفعلٍ تقديره : فلمَّا ظهر أن جاء البشر أي : ظهر على البشير ؛ فأضمر الرَّافع .

وقال جمهورُ المفسِّيرين البشيرُ هو يهوذا قال : أنا ذهبتُ بالقميص مُلطَّخاً بالدَّم ، وقلت : إنَّ يوسف أكلهُ الذِّئبُ ، فأذهب اليوم بقميصه ، وأخبره أنه حي فأفرحهُ كما أحزنته ، وقيل : البشيرُ مالكُ بنُ دُعْرٍ .

قوله : " ألقاهُ " الظَّاهرُ أنَّ الفاعل هو ضمير البشير ، وقيل : هو ضمير يعقوب وفي " بَصِيراً " وجهان :

أحدهما : حال ، أي : يرجع في هذا الحال .

والثاني : أنَّه خبرها ؛ لأنَّها بمعنى صار عند بعضهم ، و " بَصِيراً " من بصُر بالشيء ك " ظَرِيف " من " ظَرُفَ " .

وقيل : هو مثالُ مبالغةٍ ، ك " عَلِيم " وفيه دلالة على أنَّه لم يذهب بصره بالكلِّية ومعنى الارتداد : انقلابُ الشَّيء إلى حالٍ كان عليها .

وقوله : { فارتد بَصِيراً } أي صيَّرهُ اللهُ بصيراً ، كما يقال : طالت النَّخلة والله أطالها .

قال بعضهم : إنه كان قد عمي بالكلية ، فجعله اللهُ بصيراً في هذا الوقت .

وقال آخرونك بل كان ضعف بصره من كثرة البكاءِ والحزن ، فلمَّا ألقوا القميص على وجهه ، وبشَّره بحياةِ يوسف عليه الصلاة والسلام عظم فرحه وانشرح صدرهُ وزالت أحزانه فعند ذلك قَوي بصره ، وعادت قُوَّته بعد الضَّعف ، وقال : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من حياة يوسف من جهة رُؤيَاه ، وهو أنَّ الله يجمع بيننا ، وهو إشارةٌ إلى قوله : { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 86 ] .

روي أنَّه قال للبشير : كيف حاله ؟ قال : إنَّه ملكُ مصر ، قال : ما أصنعُ بالملك ، على أي دين تركته ؟ قال : على دين الإسلام ، قال : الآن تمَّت النِّعمة . ثمَّ إن أولاد يعقوب أخذوا يعتذرون ،